تفضل طهران على المدى القصير التعاون الأمني والاستخباراتي الهادئ مع كابل لاعتبارات جيوسياسية. جورجيو كافيرو – ناشيونال إنترست
تعد إيران من بين الدول غير الغربية التي قد تعترف بحكومة طالبان. وبالنظر إلى تداخل مصالح طهران وكابول في محاربة الجماعات المتطرفة كأعداء مشتركين فالمسألة تستحق الدراسة. وإذا اتجهت إيران خطوة نحو أفغانستان فستفعل ذلك بناء على مصالحها الجيوسياسية الفريدة.
في الواقع شهدت العلاقات بين طهران وكابول تقلبات عديدة، حتى أنها اقتربت من الحرب عام 1998، ولكن مع ظهور تنظيم الدولة الإسلامية العنيف (ولاية خراسان) بين 2014 و 2015 ومع عجز الحكومة المركزية الأفغانية السابقة في هزيمة التنظيم بدأت إيران تتجه نحو طالبان.
وعندما عادت طالبان إلى السلطة عام 2021 كانت التوترات الكامنة قائمة، لكن إيران لم تتخذ خطوات عدائية تجاه طالبان وكذلك فعلت حكومة طالبان. وهذا يفسر أن طهران قد تفضل الحفاظ على انخراط غير أيديولوجي يقتصر على القنوات غير الرسمية بين أجهزة الأمن والمخابرات، بدلاً من منح اعتراف دبلوماسي رسمي.
وهناك قضايا تؤثر على العلاقات بين الجارتين، ومنها مكافحة إيران لتدفق الأفيون من أفغانستان والذي يتجه لاحقا إلى أوروبا وما وراءها. ومن القضايا الرئيسية الأخرى النزاع المائي بين إيران وأفغانستان حول نهر هلمند، وهو مورد حيوي لكلا البلدين. ورغم أن معاهدة عام 1973 تضمن لإيران حصة سنوية ثابتة، إلا أن تطبيقها لم يكن متسقاً، لا سيما خلال فترات عدم الاستقرار السياسي في أفغانستان. وازداد الأمر صعوبة مع تغييرات المناخ والجفاف.
لقد أكد قرار طالبان في السنوات الأخيرة بمنع تدفق مياه نهر هلمند، بعد سيطرتها على بنى تحتية حيوية، محدودية استراتيجية إيران. ولم يُسهم استثمار طهران لرأس مالها الدبلوماسي في التواصل مع طالبان في تخفيف موقفها بشأن حقوق المياه.
ورغم التوترات بين البلدين إلا أن تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان يشكل تهديدا كبيرا لكليهما. ويعتبر هذا التهديد سببا كافيا للتعاون الأمني مع طالبان رغم انعدام الثقة لأن الاستقرار في أفغانستان أفضل من الفوضى التي قد تلي انهيار الدولة، الأمر الذي قد يعزز تنامي تنظيم داعش ونفوذه.
وعلى الرغم من الانتكاسات الإقليمية والخسائر التي مني بها التنظيم إلا أنه أثبت صموده، ونفذ هجمات بارزة داخل أفغانستان وخارجها. والجدير بالذكر أن داعش في ولاية خراسان أعلن مسؤوليته عن تفجير قاعة حفلات موسيقية في موسكو في مارس 2024، ونفذ هجمات متعددة داخل إيران.
كما كثّف تنظيم داعش جهوده في التجنيد، لا سيما بين الطاجيك وسكان آسيا الوسطى الآخرين، مستخدماً وسائل التواصل الاجتماعي والشبكات العالمية لتوسيع نفوذه إلى ما يتجاوز أفغانستان. وتعمل شبكة حقاني، المتجذّرة بعمق في هيكل طالبان الحاكم، وفق أجندتها الخاصة، ولا يزال المتمردون السلفيون القدامى ينشطون في المناطق النائية.
وقد تراجعت الرقابة الدولية منذ الانسحاب الأمريكي، مما مكّن الجهات المتطرفة من العمل بقيود أقل. وتنظر طهران إلى العلاقات غير الرسمية مع طالبان كأداة لإدارة الحدود وجمع المعلومات الاستخبارية واحتواء تسلل المتشددين. ويؤكد نهج إيران إعطاء الأولوية للأمن القومي على التوافق الأيديولوجي في بيئة غير مستقرة.
ولا تزال السياسة الإقصائية التي تتبناها طالبان في إقصاء الأقليات العرقية والفصائل السياسية والنساء تشكل تهديدا للتماسك الداخلي في أفغانستان، كما تهدد آفاق انخراط أفغانستان في المجتمع الدولي.
وفي حين أعربت إيران عن قلقها إزاء محنة الهزارة الشيعة في أفغانستان إلا أنها نادراً ما اعتبرت حمايتهم أولوية في سياستها الخارجية، مفضلة التركيز على مصالحها الجيوسياسية.
ولطالما استضافت إيران ملايين الأفغان كعمال مياومة. وبعض هؤلاء يستخدمون إيران للعبور إلى تركيا ثم أوروبا. ولكن هذا الواقع تغير في أعقاب الصراع الإيراني الإسرائيلي، حيث بدأت إيران بترحيل واسع للأفغان بعد اتهام بعضهم بالتعاون مع الاستخبارات الإسرائيلية.
وهذا الطرد الجماعي يهدد بتقويض المسار الأوسع للعلاقات بين إيران وطالبان. ففي حين أن طالبان لطالما حثت المهاجرين الأفغان في إيران وباكستان وتركيا وغيرها على العودة إلى ديارهم، يؤكد المسؤولون في كابول على أن هذه الإعادة يجب أن تتم تدريجياً بالنظر إلى الضائقة الاقتصادية التي تعاني منها، باعتبارها واحدة من أفقر دول العالم.
وفي النتيجة سيستمر التعاون الهادئ في مجالات أمن الحدود والتجارة ومكافحة الإرهاب بعيداً عن الأضواء. ويسمح هذا التفاعل غير الرسمي لطهران بحماية مصالحها الاستراتيجية.
المصدر: ناشيونال إنترست