فروا من الحرب في إثيوبيا… لتجدهم القنابل الأميركية
استيقظ الرجال في منتصف الليل على صوت هدير الطائرات الحربية. لم يكن الخوف بالأمر الجديد؛ حيث كان علي أحمد، الذي كان قيد الحبس مع أكثر من 100 مهاجر داخل سجن متهالك، فبعد أن وصل قطار الحرب الأهلية إلى منطقته، تيغراي، في إثيوبيا عام 2020، فرّ على طول أحد أخطر طرق التهريب في العالم.
وفي أثناء رحلة الهروب، داعبه الأمل في الوصول إلى المملكة العربية السعودية عبر البحر الأحمر، إلا أنه بدلاً من ذلك، وبينما كان يمر عبر أراضٍ يمنية يسيطر عليها الحوثيون، جرى اعتقاله وأُرسل إلى مركز احتجاز للمهاجرين في شمال اليمن.
وعلى مدار أسابيع خلال مارس (آذار) وأبريل (نيسان) من هذا العام، سمع دوي ضربات جوية أميركية بالقرب من المكان، في إطار حملة ضد الحوثيين المدعومين من إيران. ومع ذلك، كانت تلك المرة الأولى التي تقترب فيها الطائرات بهذا الشكل.
حين سقطت قنابل عدة وزنها 250 رطلاً على السجن في 28 أبريل، ونسفت السقف، سقط المهاجر فنتا على الأرض، حسبما يتذكر. في البداية، ظنّ أنه الوحيد الذي أُصيب، لكنه أدرك بوقت لاحق أنه كان من المحظوظين.
فقد سقط 10 أشخاص كانوا بجواره قتلى، بينما تُرك آخرون وأطرافهم تتدلى من الجلد الممزق، على حد وصفه.
قال فنتا، 32 عاماً، والذي نجا بعدما أصيب بكسر في الساقين وكسر في الذراع: «كان المكان وكل من فيه ممزقاً. لا أعرف لماذا قصفتنا أميركا».
بعد أكثر من شهرين على الهجوم الذي أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 60 شخصاً وإصابة 65 آخرين، بحسب السلطات الصحية في الحكومة الحوثية، لم تظهر إلا القليل من الإجابات. حمّل الحوثيون الولايات المتحدة المسؤولية، وكشف تحقيق أجرته صحيفة «نيويورك تايمز» أن ما لا يقل عن 3 قنابل «GBU-39» أميركية الصنع ـ بذخائر موجهة صغيرة نسبياً مصممة لتقليل الأضرار الجانبية ـ قد استُخدمت في الهجوم، ما يشير إلى أن واشنطن هي على الأرجح من نفذ القصف.
من ناحيتها، لم تعلن القيادة المركزية الأميركية، التي تُشرف على العمليات العسكرية في المنطقة، مسؤوليتها عن الهجوم، واكتفت بقول إن المسؤولين «على علم بادعاءات سقوط ضحايا مدنيين نتيجة الضربات الأميركية في اليمن»، وإنها تُجري تحقيقاً في الأمر، بحسب تقرير لـ«نيويورك تايمز»، السبت.
ناجون من الغارة
زار مراسل «نيويورك تايمز» ناجين من الغارة، وما تبقى من السجن في مايو (أيار)، ورافقه مسؤول من الحكومة الحوثية؛ كي يتمكن من الوصول إلى المواقع المحظورة.
أما الرجال الذين نجوا من الهجوم، فلم يكن لديهم شك يُذْكر إزاء هوية الجهة المنفذة للهجوم.
عن ذلك، قال فنتا، بينما كان مستلقياً على سرير في أحد مستشفيات مدينة صعدة اليمنية، وجسده يهتز من الضحك: «ماذا يُفترض بنا أن نقول لأميركا؟ هل يمكنني الرد على أميركا؟ أن أهددها مثلاً؟».
وقال بنيام أكسا، 26 عاماً، عامل يومي من تيغراي كُسرت ساقه في القصف: «أنا أريد فقط أن أعرف لماذا جرى استهدافنا. ماذا فعلنا لهم حتى يُعاقبونا بهذا الشكل؟».
جدير بالذكر هنا أن الطريق إلى صعدة من العاصمة اليمنية صنعاء مكتظ بجماعات من المهاجرين الأفارقة. ومن صعدة ـ الواقعة في أقصى شمال اليمن، ومعقل الحوثيين ـ يستغرق الأمر نحو يوم سيراً على الأقدام لبلوغ حدود السعودية، وجهتهم النهائية.
وحديثاً، في إحدى فترات بعد الظهر، شاهد صحافي شاحنة حمراء تتوقف قبل نقطة تفتيش أمنية مباشرة. خرج منها العشرات من المهاجرين، وبدأوا في التفرق على جانب الطريق، وهم يحاولون تجنب ضبطهم.
وقبل بضعة أشهر، كان فنتا في الموقف نفسه. أما في تيغراي، فكان يعمل في الزراعة، كما عمل بعض الأحيان حارس أمن، وقال: «اشتعلت الحرب في كل مكان».
وبالفعل، ركب قارب تهريب عبر المضيق الذي يفصل أفريقيا عن شبه الجزيرة العربية. ومن مدينة عدن في جنوب اليمن، قطع رحلة طويلة شمالاً سيراً على الأقدام، في مواجهة مشقة الجوع والعطش حتى وصل إلى الحدود السعودية، على حد قوله.
«الطريق الشرقي»
تُعرف هذه الرحلة باسم «الطريق الشرقي» ـ وهو من «أكثر طرق الهجرة ازدحاماً وخطورة في العالم»، وفق المنظمة الدولية للهجرة.
العام الماضي، حاول عشرات الآلاف من الأشخاص عبور هذا الطريق، هاربين من النزاع، والفقر، والجفاف، والقمع السياسي في دول مثل إثيوبيا وإريتريا والصومال.
يعاني اليمن نفسه من حرب أهلية منذ عام 2014، حين أطاح الحوثيون الحكومة المعترف بها دولياً من العاصمة صنعاء. وأسفرت الحرب عن مقتل مئات الآلاف بسبب العنف، والمرض، والمجاعة. ومع انسحاب التحالف تدريجياً، بقي الحوثيون متمسكين بالسلطة في شمال غربي اليمن، حيث يحكمون بقبضة من حديد.
من جهته، وقبل أن يتمكن فنتا من العبور، جرى اعتقاله بتهمة تناول الكحوليات، حسبما قال. وفي السجن، كان المهاجرون يسمعون الضربات الجوية القريبة، ويراقبون بقلق نشرات الأخبار عن حملة القصف الأميركية، بحسب روايته.
وعندما بدأت الضربات الأميركية في 2024، في عهد الرئيس بايدن، صرّح المسؤولون أن الهدف منها ردع الحوثيين عن إطلاق صواريخ وطائرات مسيّرة على إسرائيل ومهاجمة السفن في البحر الأحمر.أما قادة الحوثيين، فيقولون إن عملياتهم تهدف إلى الضغط على إسرائيل لوقف قصف غزة، وزيادة تدفق المساعدات الإنسانية.
من جهتها، بدأت إدارة ترمب هي الأخرى حملة قصف خاصة بها في مارس.
وأعلن البنتاغون أنه نفّذ أكثر من 1000 ضربة جوية في اليمن، استهدفت «الكثير من مراكز القيادة والسيطرة، وأنظمة الدفاع الجوي، ومرافق تصنيع أسلحة متقدمة، ومستودعات أسلحة متطورة»، إلا أنه لا يزال من غير الواضح لماذا قد يكون السجن من بين الأهداف. وقد التزم المسؤولون الصمت بشأن الضربات الفردية. ففي بيان صدر في 27 أبريل، قالت القيادة المركزية الأميركية إنه حفاظاً على سرية العمليات، فإنها «لن نكشف عن تفاصيل ما قمنا به أو ما سنقوم به».
وبعد يوم واحد فقط من صدور البيان، ضُرب السجن، الذي كان في داخله أكثر من 100 مهاجر إثيوبي ومهاجر إريتري واحد، بحسب المقدم أحمد علي الخراسي، مدير السجن.
وأضاف أن المحتجزين وُجّهت لهم تهم بارتكاب جرائم متنوعة، مثل تهريب الحشيش، وشرب الكحوليات، والقتل، وكانوا يقضون فترات سجنهم تمهيداً لترحيلهم.
وأضاف: «الجميع يعرف أن هذا المكان سجن منذ عام 2019، فلماذا يُستهدف؟».
وفي الخارج، وعند أنقاض السجن، وضعت السلطات المحلية شظايا القنابل التي أصابت المنشأة على أقمشة بيضاء.