كيف يمكن أن يُسجّل أغلى سوق انتقالات في التاريخ، المرة الأولى التي ينفق فيها نادٍ واحد أكثر من نصف مليار يورو في فترة انتقالات واحدة؟
الأمر يبدأ من نادٍ يُدار بكفاءة عالية منذ سنوات، يحافظ على حسابات مالية سليمة ويملك هامشاً كبيراً في ظل قواعد اللعب المالي النظيف الصارمة في الدوري الإنجليزي، وذلك وفقاً لصحيفة «لاغازيتا ديلو سبورتس الإيطالية».
ثم تأتي الرغبة في تجديد دماء فريق تُوّج للتو بلقب الدوري الإنجليزي الممتاز، وجعله جاهزاً لفتح دورة جديدة.
ويضاف إلى ذلك العوائد الضخمة من دوري الأبطال، وعقد رعاية تقني جديد وباهظ. مع سحر ملعب «آنفيلد» وقاعدة جماهيرية تُعد من الأكبر في العالم، وبذلك تشكّلت ملامح صيف تاريخي لنادي ليفربول في 2025: صفقات بقيمة 511 مليون يورو، مع تحطيم الرقم القياسي لصفقة الأغلى في الدوري الإنجليزي مرتين في الصيف ذاته.
صفقات قياسية
الكلمة المفتاحية داخل البيت الأحمر هذا الصيف كانت «التجديد». فبعد سنوات من الاعتماد على استثمارات محسوبة في سوق الانتقالات (كان فيديريكو كييزا القادم من يوفنتوس في 2024 هو الإضافة الوحيدة حينها، وبسعر منخفض نسبياً)، أرادت الإدارة بناء فريق يعكس هوية المدرب الهولندي آرنه سلوت، فريقاً أقوى وأقدر على الفور ليستمر في السيطرة محلياً ويكون قادراً على فتح حقبة جديدة. والنتيجة: سوق تاريخية بكل المقاييس.
أبرز الأسماء هما ألكسندر إيزاك وفلوريان فيرتز، الصفقتان الأغلى في تاريخ الدوري الإنجليزي. فيرتز جاء أولاً من باير ليفركوزن مقابل 136 مليون يورو شاملة المكافآت. أما إيزاك فكان بطل اليوم الأخير من السوق، حيث انتهت ملحمة طويلة بينه وبين نيوكاسل الذي رضخ أخيراً لبيعه، ليس بـ173 مليوناً كما كان يطالب طويلاً، بل بـ144 مليوناً تُدفع مباشرة ومن دون شروط. ولا شك أن إيزاك بات الصفقة الأغلى في تاريخ البريمرليغ.
ثورة كاملة
لكن إيزاك وفيرتز ليسا سوى قمة جبل الجليد. فقد ضم ليفربول أيضاً هوغو إيكيتيكي من آينتراخت فرانكفورت مقابل 91 مليون يورو، صفقة لم تحظَ بضوء كافٍ رغم أهميتها. كما استثمر النادي بسخاء في الشباب: ميلوش كيركيس من بورنموث مقابل 46.5 مليون، وجيريمي فريمبونغ من ليفركوزن مقابل 35 مليون ليشغلا مركزي الظهيرين. ودفع النادي 30 مليوناً لبارما مقابل المدافع الشاب جيوفاني ليوني (18 عاماً)، في رهان على مستقبل يُشبه مسيرة فيرجيل فان دايك.
وبنظرة مزدوجة إلى الحاضر والمستقبل، جاء الحارس الجورجي جيورجي مامارداشفيلي من فالنسيا مقابل 28 مليون يورو، ليكون بديلاً لأليسون مع توقع أن يرث مكانه مستقبلاً. وبهذا يصل عدد التعاقدات إلى ثمانية، بقيمة تجاوزت نصف مليار يورو. وحدها صفقة مارك غيهي من كريستال بالاس سقطت في اللحظة الأخيرة.
الحسابات والتمويل
ليفربول بالمقابل جنى 239.2 مليون يورو من المبيعات، إضافة إلى 40 مليوناً سيجنيها من خيار الشراء الإلزامي الذي فعّله أستون فيلا في صفقة هارفي إليوت. لكن ما سمح للنادي بهذا السوق القياسي لم يكن المبيعات ولا حتى طرق المحاسبة التي تسمح بتوزيع قيمة الصفقات على سنوات العقد. على سبيل المثال، قيمة إيزاك (144 مليون حتى 2031) تُسجَّل في الدفاتر بواقع 24 مليون يورو فقط سنوياً.
السر الحقيقي يكمن في عوائد الموسم الماضي: 296 مليون يورو من جوائز الدوري الممتاز ودوري الأبطال، 70 مليوناً سنوياً من عقد الرعاية مع «أديداس» ابتداءً من أغسطس (آب)، 6 ملايين يورو تدخل من كل مباراة كاملة العدد في «آنفيلد»، أكثر من 250 مليوناً من حقوق البث، إضافة إلى أرباح سنوية تتجاوز 100 مليون يورو بفضل قاعدة جماهيرية ضخمة ومبيعات تجارية هائلة.
بهذه المعادلة فقط يمكن لنادٍ أن ينفق نصف مليار يورو في صيف واحد دون أن يختنق مالياً. وليفربول قرر أن هذا هو التوقيت المثالي للقيام بالقفزة.