خروق إسرائيلية تتوالى منذ اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، توسعت من مجرد هجمات تسقط ضحايا، لتتجاوز «الخط الأصفر» الذي انسحبت له، في ظل مرحلة أولى من خطة السلام عالقة ولم تقد لنظيرتها الثانية المعنية بترتيبات أمنية وإدارية بالقطاع بعد.
تلك الخروقات عدها الوسيط القطري، تهديداً للاتفاق، تزامناً مع تأكيد مصري جديد على أهمية تثبت وقف إطلاق النار واستكماله، وهذه التطورات، تشي بحسب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بأن المرحلة الثانية لا تزال بعيدة وأن هناك تعمداً إسرائيلياً لإفساد أي خطوة تجاهها بهذه الخروقات، مشيرين إلى أن الضغط الأميركي عليه أن يتحرك للجم إسرائيل وإلا فسيبقى الاتفاق عالقاً وربما ينهار في أي لحظة خاصة و«حماس» ليس لديها ما تقدمه حالياً سوى البيانات.
خروق جديدة
وأعلن المكتب الإعلامي التابع لحكومة «حماس»، في غزة، في بيان الخميس، أن الجيش الإسرائيلي تجاوز «الخط الأصفر» الذي انسحب إليه عقب الاتفاق «عبر التوغل في المنطقة الشرقية في مدينة غزة وتغيير أماكن تموضع العلامات الصفراء، بتوسيع المنطقة التي يسيطر عليها جيش الاحتلال بمسافة 300 متر في شوارع الشعف والنزاز وبغداد».

ويفصل «الخط الأصفر» بين مناطق انتشار الجيش الإسرائيلي، البالغة أكثر من 50 في المائة من مساحة القطاع شرقاً، والمناطق التي يسمح للفلسطينيين بالتحرك فيها غرباً.
وعدّت «حماس» ذلك التوسع «اعتداء جديداً وخرقاً للاتفاق»، مشيرة إلى أنه يأتي غداة «ارتكاب (الاحتلال) مجزرة مستهدفاً بالقصف مدينتي غزة وخان يونس، التي راح ضحيتها 25 شهيداً منهم أسرة كاملة وعشرات الجرحى في حالة خطر».
ولفتت إلى أن «هذه الجرائم المتواصلة تمثل استخفافاً واضحاً من الاحتلال بقرار وقف إطلاق النار، وتضاف إلى نحو 400 خرق تم رصدها منذ دخول القرار حيز التنفيذ، أودت جميعاً بحياة أكثر من 300 شهيد وخلفت مئات الجرحى»، مطالبة «الوسطاء والضامنين للاتفاق، وفي مقدمتهم الرئيس الأميركي دونالد ترمب بوقف ذلك».
واتهم حازم قاسم المتحدث باسم «حماس» إسرائيل بتغيير العلامات المحددة للمناطق التي تسيطر عليها إسرائيل بما يخالف الخرائط المتفق عليها، مؤكداً أنها «ترتكب خرقاً فاضحاً بالعمل المستمر على إزاحة الخط الأصفر بشكل يومي باتجاه الغرب».

ويعتقد السفير حسين هريدي مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، أن ما تقدم عليه إسرائيل بعد قرار مجلس الأمن بشأن خطة ترمب، من هجمات أو توسيع الخط الأحمر «يشكل تهديداً لاتفاق غزة ويقلل من مصداقية الدور الأميركي ويلقي شكوكاً على قدرة الولايات المتحدة على كبح جماح (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو».
ويرى المحلل السياسي الفلسطيني، عبد المهدي مطاوع، أن ما تفعله إسرائيل سواء بالهجمات أو توسيع الخط الأحمر محاولة لترسيخ معادلة جديدة في الوجود والمواجهة، مشيراً إلى أن حماس لم يعد لديها سوى البيانات واللجوء للوسطاء لوقف هذه الخروقات الإسرائيلية التي تعقد التوجه للمرحلة الثانية.
تحركات لتثبيت الاتفاق
وعلى مستوى الوسطاء والضامنين، قالت الخارجية القطرية، في بيان، الخميس، إن بلادها «تدين بشدة اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي الوحشية في قطاع غزة، التي تتسبب في سقوط شهداء ومصابين، مع تصعيد خطير يقوم بتقويض اتفاق وقف إطلاق النار في القطاع».
وأكدت قطر «ضرورة استمرار الجهود الإقليمية للحفاظ على اتفاق وقف إطلاق النار والالتزام به، بما يمهد لإنهاء الحرب على غزة، ويهدف إلى السلام العادل والمستدام في المنطقة».
بالتزامن، قالت الخارجية المصرية، في بيان الخميس، يشيد باعتماد الأمم المتحدة، القرار السنوي بشأن حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، إنها «ستواصل العمل مع شركائها الإقليميين المخصصين لضمان تنفيذ خطة الرئيس ترمب السلام بما يخدم هدف تحقيق الأمن والاستقرار، ويدعم أفقاً سياسياً حقيقياً للملف الفلسطيني».
وأكدت مصر «أهمية التنفيذ الفعال لقرار مجلس الأمن 2803 على نحو يضمن تثبيت وقف إطلاق النار، ودعم جهود إعادة الإعمار، ويدعم أفقاً سياسياً لتسوية عادلة وشاملة للقضية الفلسطينية».

وبتأييد 13 عضواً وامتناع روسيا والصين عن التصويت، اعتمد مجلس الأمن الدولي قراراً مقدماً من الولايات المتحدة يأذن بإنشاء «قوة دولية مؤقتة لتحقيق الاستقرار في قطاع غز»، وسط رفض من حماس وفصائل فلسطينية.
الاتحاد الأوروبي وقوات غزة
ووسط ذلك التعثر تتحرك دول أوروبية نحو الالتحاق بأهم بنود المرحلة الثانية المعطلة، وهي نشر قوات دولية، وقبيل لقاء لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي الخميس في بروكسل، كشفت الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد، كايا كالاس في تصريحات، عن أن الاتحاد يدرس توسيع بعثتيه الأمنيتين في غزة والضفة الغربية، لافتة إلى أن الاتحاد سيدرب 3000 شرطي فلسطيني لنشرهم في غزة.
وأعلن وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، في تصريحات الخميس أن بلاده ستنشر 100 رجل أمن فرنسي على الأراضي الفلسطينية، لافتاً إلى أن باريس «وضعت تصوراً لنزع سلاح (حماس) واستبعادها من حكم القطاع».
وأمام هذه التطورات الأوروبية، يرى هريدي، أن إسرائيل تريد ألا يحدث ذلك وأن يتم تعقيد الذهاب للمرحلة الثانية بل محاولة إفشالها، مشيراً إلى أن ما يحدث اختبار عملي للرد الأميركي الذي يجب أن يكون حاسماً، ولا يسمح لإسرائيل بحرية المناورة ورفض شروط الاتفاق كما يطالب الوسطاء، وإلا فالاتفاق مهدد بشكل خطير.
ويعتقد مطاوع أن هناك فرصة لتحرك أميركي للضغط على طرفي الحرب، وإلا فسيبقى الاتفاق معلقاً لا يتقدم للمرحلة الثانية، مشيراً إلى أن الوسطاء يدركون مخاطر ما يحدث وأمامهم مهمة صعبة.

