تتركز حملة «حزب الله» في الفترة الأخيرة، وقبل يومين من موعد جلسة الحكومة اللبنانية المخصصة لعرض خطة الجيش لـ«حصرية السلاح»، على الدعوة للتراجع عن القرار الذي اتخذه مجلس الوزراء الشهر الماضي والمتعلق بتكليف الجيش اللبناني وضع خطة لسحب السلاح غير الشرعي قبل نهاية العام الحالي.
وهذه الحملة التي بدأت تأخذ منحى تصاعدياً وصلت إلى حد التهديد من قِبل مسؤولي الحزب ووسائل إعلامه، مع ما يترافق ذلك مع هجوم مركّز ومتواصل على رئيس الحكومة نواف سلام.
وهذا الواقع يُظهر تبدلاً واضحاً في «سياسة المواجهة» التي بات يعتمدها الحزب، إذ وبعدما كان يعد نفسه غير معني بالقرارات الرسمية والحكومية التي لا تتناسب ومصالحه، بات اليوم غير قادر على تجاوز هذه القرارات مع تبدّل الواقع السياسي في لبنان.
وهذا الأمر تعكسه مواقفه بشكل واضح، حيث إنه بعدما كان أعلن في السابق أن قرار الحكومة «كأنه لم يكن»، بات يدعو اليوم إلى الرجوع عنه، مع ما يعني ذلك من إدراكه لأهمية هذا القرار الذي سحب أي شرعية داخلية ودولية عنه، وإقراره بشكل غير مباشر بأن تجاوزه ليس بالأمر السهل.
الحكومة ليست قلقة
وهذا الأمر يتحدث عنه الوزير السابق رشيد درباس، مذكّراً بموقف «حزب الله» الذي خرج وزراؤه ووزراء «حركة أمل» من جلسة الحكومة عند إقراره، عادّين أنه غير موجود.
ويقول درباس لـ«الشرق الأوسط»: «بات (حزب الله) مقتنعاً أن هذا القرار أصبح واقعاً سياسياً محلياً وإقليمياً حتى وإن لم تستخدم القوة لتنفيذه، إنما بات الحزب يحسب له حساباً، حيث إن الوضع السياسي اللبناني القائم اليوم يجعله غير قادر أن يبقى في حالة الإنكار، لا سيما في ظل الدعم الداخلي الواسع من مختلف القوى، حتى تلك التي كانت حليفة له، ومن الخارج، لهذا القرار».
ويضيف: «اليوم باتت الدولة هي التي تفاوض وتمسك بزمام الأمور بعدما كانت الوسيط بين (حزب الله) والموفدين الدوليين».
ورغم الحملة التي يتعرض لها رئيس الحكومة نواف سلام من قِبل «حزب الله»، فإن درباس يؤكد أن «الحكومة ليست قلقة»، ويقول: «من خلال تواصلي مع مسؤول حكومي قبل ساعات، وبناء على مواقف رئيسي الجمهورية جوزيف عون والحكومة، يبدو واضحاً أن الجميع متمسك بالسير قدماً بهذا القرار»، مشيراً إلى أن «الوضع يحتاج إلى العقلانية، لا سيما في ظل الضغوط التي يتعرض لها لبنان، خصوصاً من جانب إسرائيل».
ويتوقف درباس أيضاً، عند خطاب رئيس البرلمان نبيه بري في ذكرى الإمام موسى الصدر الأحد الماضي، قائلاً: «رغم أن خطاب (رئيس البرلمان نبيه) بري بدا متصلباً بعض الشيء، أكد في الوقت عينه على أهمية البيان الوزاري وخطاب القسم»، وهما اللذان كانا مرجعية للقرار الحكومي الذي يرفضه اليوم «حزب الله»، حيث إن الاختلاف ينحصر في كيفية وتوقيت التطبيق وليس المبدأ.
هجوم «حزب الله» على الحكومة وسلام
وفي موازاة مواقف مسؤولي الحزب التي تطالب بالتراجع عن القرار، من دون أن تلقى آذاناً مصغية، أرسل «حزب الله» مساء الثلاثاء، عبر إعلامه وتحديداً عبر قناة «المنار» التابعة له تهديداً، نقلاً عما قالت إنها مصادر في الحزب، وهو أنه «إذا ظلت الحكومة مصرّة على إدراج مهل زمنية في الخطة، فإن (حزب الله) لن يتعاون حتى في منطقة جنوب الليطاني».
كما اتهمت رئيس الحكومة نواف سلام بـ«التمسك بمقاربة قد تكون نتيجتها خراب البلد، على الرغم من نصائح البعض في الداخل والخارج»، وفق تعبيرها.
هذا في وقت استمرت مطالبات مسؤولي الحزب ورجال الدين المحسوبين على «الثنائي الشيعي» (حزب الله وحركة أمل)، الحكومة بالعودة عن قرارها.
وفي بيان لها لكتلة «حزب الله» النيابية (الوفاء للمقاومة) بعد اجتماعها الأربعاء، عدّت أنه «من موجبات الدفاع عن لبنان وحفظ السيادة الوطنية أن تراجع السلطة حساباتها، وتتوقف عن تقديم هدايا مجانية للعدو، وتتراجع عن قرارها غير الميثاقي وغير الوطني في موضوع سلاح المقاومة، وتمتنع عن الخطط المزمع تمريرها بهذا الصدد، وتعود للاحتكام إلى منطق التفاهم والحوار الذي دعا إليه الرئيس نبيه بري، في محاولة منه لإيجاد مخرج للمأزق الذي أوقعت الحكومة نفسها والبلاد فيه نتيجة انصياعها للإملاءات الخارجية».
ودعت «الكتلة» الحكومة إلى تطبيق ما التزمت به في بيانها الوزاري لجهة إعادة الإعمار من خلال تضمين موازنتها لعام 2026 اعتمادات مالية واضحة تغطي أعباء هذا الواجب، وتلبي حاجات أهلنا في هذا المجال.
وفي الإطار نفسه، دعا نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ علي الخطيب الحكومة إلى عدم المضيّ بقرارها السابق في اجتماعها الجمعة، آملاً «من رئيسي الجمهورية جوزيف عون والحكومة نواف سلام أن يأخذا القرار الصحيح، وألا يكتبا على نفسيهما أنهما كانا سبباً بخراب لبنان».
المفتي دريان
في المقابل، يلقى قرار حصرية السلاح دعماً لبنانياً واسعاً، وهو ما عبّر عنه مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان، بالقول في كلمة له بمناسبة عيد المولد النبوي الشريف: «كنا محظوظين بأن اكتمل لدينا في لبنان عقد المؤسسات الدستورية وسط هذا الخضم المضطرب. وقد أجمعنا في خطاب القسم وفي بيان الحكومة على استعادة الدولة ومؤسساتها وجيشها وسلاحها، واجتراح عمليات إصلاحية جذرية، كان ينبغي أن تحصل قبل سنوات وسنوات».
وأكد أن «مطلب حصر السلاح بيد الدولة هو مطلب لبناني أصلي وأصيل. وقد نختلف على هذا الأمر أو ذلك صغيراً كان أو كبيراً، لكن لا يجوز أن نختلف على استعادة الدولة من الفساد ومن السلاح. لا دولة فيها جيشان. والميليشيات المسلحة المنتشرة في بلدان عربية عدة عطلت وتعطل قيامة دولة لكل المواطنين وليس لحملة السلاح. ما عاد من الممكن أن يسيطر تحالف السلاح والفساد على الدولة اللبنانية، أو ينتهي لبنان الذي نتصوره دائماً بصورة زاهية، ما عاد باقياً منها غير آثار احتفالية».
وأضاف: «قد نختلف في المجال العام على أمور وأمور، أما الدولة والجيش فلا يجوز الاختلاف عليهما. ورغم ذلك إذا اختلفنا فلا يجوز ولا يصح التشاتم والتخوين، وتكبير الصغائر والاستخفاف بمصالح الوطن وهيبة الدولة. قرار السلم والحرب ينبغي أن يكون ويبقى بيد الدولة ومؤسساتها المختصة، وبالطبع هو أمر خطير، هذه الاتهامات التي توجه لكبارنا لا نقبل بها بأي حجة. فلنقف جميعاً في وجه أولئك الذين يريدون عزل هذه الطائفة أو تلك لصالحهم أو لصالح المتدخلين الخارجيين»، مضيفاً: «آن لنا أن نبني وطننا من خلال الدولة ومؤسساتها… والمبادرات يعول عليها».