«كمين بيت حانون» يثير أسئلة صعبة ومخاوف في إسرائيل
أثار كمين قُتل فيه 5 جنود إسرائيليين، وأصيب 14 آخرون في بيت حانون بشمال قطاع غزة الكثير من الأسئلة في إسرائيل حول الحرب الدائرة في القطاع، ووضع الجيش بها، ومستقبل هذه الحرب، وفتح أيضاً باب مخاوف قوية من احتمال انزلاق القوات في حرب استنزاف منهكة مع «حماس».
وعلى الرغم من أن الكمين الذي نفذته «كتائب القسام»، الجناح العسكري لحركة «حماس»، لم يكن الأول من نوعه، فقد أحدث عاصفة وموجة غضب وصدمة في إسرائيل.
كان الجيش الإسرائيلي قد أعلن، صباح الثلاثاء، مقتل 5 من جنوده وإصابة 14 آخرين جراء انفجار عبوة ناسفة على الطريق في بيت حانون الليلة السابقة.
وبحسب تحقيق أولي للجيش، انفجرت العبوة بعد العاشرة مساءً بقليل خلال عمليات برية. ولم يكن الجنود داخل مركبة، بل كانوا يتحركون سيراً على الأقدام حين وقع الانفجار الذي أعقبه إطلاق وابل من النيران خلال محاولات إجلاء المصابين، بحسب التحقيق.
ومن بين الجرحى الأربعة عشر، وُصفت حالة اثنين منهم بالخطيرة.
وقال الجيش إن منطقة الهجوم شهدت أيضاً استهدافاً جوياً قبل بدء عمليات القوات البرية، وإن عناصر «حماس» وصلوا عبر أنفاق.
كتيبة الحريديم
كان الجيش قد بدأ عملية في بيت حانون، وهي مدينة سيطر عليها مرات عدة خلال القتال، ومشَّط المنطقة جواً قبل دخولها.
ويشارك في العملية لواءان هما اللواء 646 (قوة احتياط المظليين)، واللواء الشمالي من فرقة غزة الذي يضم الكتيبة المستهدفة، الكتيبة 97 (نيتسح يهودا)، والهدف المعلن هو حماية الحدود الشمالية قرب سديروت وكيبوتس نير عام.
وتتكون كتيبة «نيتسح يهودا» في معظمها من جنود الحريديم (المتشددين دينياً)، وقد تأسست عام 1999 لاستيعاب هذه الفئة من الجنود مع احتفاظهم بنمط حياة ديني. ويُشار إليها أيضاً بـ«شباب الحريديم العسكريين»، وهي تحمل اسم يهودا دوفدفاني، أحد مؤسسي الكتيبة.
وقالت «القناة 12» إن هذه الكتيبة تلقت أشد ضربة في تاريخها في كمين بيت حانون. فمن بين القتلى الخمسة، هناك 4 من الكتيبة، وكذلك معظم المصابين.
وأضافت: «هذا هو أدمى حادث تتعرض له كتيبة نيتسح يهودا منذ تأسيسها قبل 26 عاماً». وتابعت القناة في التقرير الذي بثته صباح الثلاثاء: «الخسائر الفادحة التي تكبدتها الكتيبة الليلة الماضية تعادل عدد الضحايا الذين تكبدتهم في جميع أشهر القتال الأخرى منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023».
ويرفع حادث بيت حانون عدد قتلى الجنود الإسرائيليين إلى 449 جندياً في الهجوم البري في غزة، وإلى 888 جندياً منذ بداية الحرب عموماً.
«القسام» تتوعد بالمزيد
توعدت «كتائب القسام» الجنود الإسرائيليين بالمزيد من «كمائن الموت» ما بقوا في قطاع غزة.
وقال الناطق باسمها، أبو عبيدة، في تدوينة: «إن معركة الاستنزاف التي يخوضها مقاتلونا ستكبّد الاحتلال كل يومٍ خسائر إضافية… وربما أسرى».
وأضاف: «إن القرار الأكثر غباءً الذي يمكن أن يتخذه نتنياهو سيكون الإبقاء على قواته داخل القطاع». وتوعَّد: «جنائز وجثث جيش العدو ستصبح حدثاً مستمراً».
«دروس الماضي»
تحولت مسألة إبقاء القوات في غزة، والثمن المدفوع فعلاً، إلى مثار جدل كبير في إسرائيل بعد الكمين.
وكتب عوفر شيلح، أحد أبرز كُتاب الأعمدة والباحث في معهد دراسات الأمن القومي، مقالاً نشرته «القناة 12» يتهم فيه القيادة الإسرائيلية بعدم تعلم الدروس المستفادة من أحداث لبنان بعد الحرب هناك عام 1982 ضد «حركة فتح» و«منظمة التحرير الفلسطينية».
وقال شيلح في مقاله: «من لبنان إلى غزة… 40 عاماً… ما الذي تغير؟».
واستطرد: «في ذلك الوقت، بعدما حقق الجيش هدفه في لبنان، لم يغادر، وبقي هناك مُتكبداً خسائر فادحة، وقد أُنهك حتى النخاع. واليوم يكرر نفس الأمر في قطاع غزة، ويسوق نفس الأسباب بشكل مؤلم: الردع، ومنع العدو من الشعور بالنصر، وعودة الرهائن؛ مع اعتقاد أن الضغط العسكري وحده سيحقق النصر، وبالطبع الادعاء بأن الآن ليس الوقت المناسب».
وأضاف: «هذه هي الأسس الدائمة للجمود الأمني الإسرائيلي الذي يقوم على أساسين: غياب تحرك سياسي مُكمّل يُحدد الإنجازات العملياتية التي تُصبح غايةً في حد ذاتها لا وسيلة، وفكر عسكري ضيق الأفق يتجاهل دروس الماضي وينسجم مع المصالح السياسية للقيادة السياسية».
ويرى شيلح أنه على الرغم من روايات «فككنا، دمّرنا» التي تُروّج لها وسائل الإعلام يومياً، فإن الجيش الإسرائيلي «لم يُحقق أي إنجاز منهجي في قطاع غزة. وخلافاً لتقارير الجيش، فإن تحقيق هذا الإنجاز مُستحيل».
وأضاف: «هناك جهل طوعي بما نفعله في غزة».
مخاوف من «حرب استنزاف»
يخشى الإسرائيليون أن يكلفهم البقاء في غزة خسائر فادحة يومية في «حرب استنزاف لا داعي لها».
وأشار أمير بوحبوط، المراسل العسكري في موقع «واللا»، إلى أن الكمين يثير تساؤلات بالغة الصعوبة وقلقاً كبيراً في المنظومة الأمنية.
وكتب: «في الخلفية، تُثار مزاعم عن استنزاف متزايد للقوات النظامية والاحتياطية».
وأكدت إذاعة الجيش هذا الاستنزاف، وقالت إن نحو 70 في المائة من قتلى الجيش في غزة سقطوا نتيجة الكمائن والألغام.
ولم يسلم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتيناهو من الهجوم بعد الكمين، فتلقى انتقادات قاسية من عائلات جنود وأسرى، وكذلك من مسؤولين ووسائل إعلام.
وقال موقع «واللا» إن العالم كله يريد إنهاء الحرب إلا الحكومة الإسرائيلية «هي الوحيدة غير المهتمة».
وخرج الإعلامي إيال بيركوفيتش في بداية برنامجه الإذاعي على قناة «103 إف إم» قائلاً: «الجنود يموتون بلا سبب، وأيدي نتنياهو ملطخة بدمائهم». وأضاف: «يرسلهم إلى غزة لمجرد حماية نفسه؛ بينما زوجته، التي تعلم بوجود جنود قتلى، تنشر صورة على (إنستغرام) لباقة زهور أهداها إياها ترمب».
أما الوزراء المتطرفون فاستغلوا الكمين، وطالبوا بوقف المباحثات مع «حماس».
وقال وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، إنه تجب إعادة الوفد الإسرائيلي من مفاوضات الدوحة، مضيفاً: «لا ينبغي التفاوض مع من يقتل جنودنا، بل تقطيعه وتجويعه حتى الموت وعدم إنعاشه بمساعدات إنسانية تمنحه الأكسجين. حصار مطلق، ضربات عسكرية، تشجيع الهجرة، والاستيطان… هذه هي مفاتيح الانتصار المطلق، وليس صفقة تنازلات».
وأيده وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، الذي دعا إلى «تطويق مناطق القتال، وإنهاك العدو فيها».