مع حلول منتصف ليل الأربعاء، انتهت الصلاحية القانونية المؤقتة التي استخدمها الرئيس دونالد ترمب لفرض سيطرته على شرطة العاصمة، لكنّ مظاهر التدخل الفيدرالي ما زالت حاضرة بقوة. قبل شهر، أعلن ترمب حالة طوارئ في واشنطن، واصفاً المدينة بأنها «في فوضى تامة»، في خطوة مثيرة للجدل أفضت إلى ما وصفه مراقبون بأنه أخطر تدخل في حكم العاصمة الذاتي منذ عقود.
وبموجب قانون الحكم الذاتي لعام 1973، يُسمح للرئيس بتولي بعض سلطات الأمن الداخلي في واشنطن لمدة 30 يوماً دون موافقة الكونغرس، وهو ما فعله ترمب.
لكن رغم انتهاء التفويض الرئاسي المباشر، فإن كثيراً من آثار هذا التدخل لا يزال قائماً، من بينه بقاء آلاف من عناصر الحرس الوطني وضباط إنفاذ القانون الفيدراليين في المدينة، إضافة إلى استمرار عمليات الهجرة التي تُنفّذها وكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك الأميركية المعروفة اختصاراً بـ«أيس».
جاء نشر القوات في واشنطن بوقت كانت فيه جرائم العنف في تراجع مستمر بالعاصمة. ومع ذلك، زعم ترمب أن الوضع الأمني يستدعي «فرض النظام»، مما أتاح له توجيه أوامر للشرطة المحلية، بشكل عدّه كثيرون غير قانوني.
وعلى الرغم من حديث البيت الأبيض عن «السيطرة على الشرطة»، فإن إدارة شرطة العاصمة بقيت فعلياً تحت قيادة رئيسة الشرطة، باميلا سميث، بينما اقتصرت سلطة البيت الأبيض على توجيه رئيسة البلدية لتقديم خدمات معينة متعلقة بإنفاذ القانون الفيدرالي. ورفع المدعي العام للعاصمة، برايان شوالب، دعوى قضائية ضد الإدارة، مؤكّداً أن القانون لا يمنح الرئيس سلطة السيطرة الكاملة على شرطة المدينة. وفي نهاية المطاف، اضطرت وزارة العدل للتراجع عن تفسيرها الموسَّع، وأصدرت أمراً يحدد الخدمات المطلوبة، ومعظمها متصل بتنفيذ قوانين الهجرة.
وعلى الرغم من انتهاء المهلة، لا يتوقع سكان العاصمة ومسؤولوها أي تغيير جذري في الواقع الأمني اليومي. فرئيسة الشرطة لم تسحب بعد توجيهاتها المتعلقة بالتعاون مع «إيس»، والمتحدث باسم الشرطة أكد استمرار تنفيذ الأوامر الحالية.
وقال رئيس مجلس المدينة، فيل مندلسون، إن «الانتقال سيكون تدريجياً، وليس فورياً»، في حين عبّر ناشطون في مجتمع المهاجرين عن خيبة أملهم من التعاون غير المسبوق بين الشرطة المحلية ووكالة «أيس»؛ ما أضعف الثقة التي بُنيت على مدار سنوات. وقال أبيل نونيز، المدير التنفيذي لمنظمة خدمات المهاجرين (كاريسين): «سيستغرق الأمر سنوات لإعادة بناء الثقة التي تهدمت في الأسابيع الأخيرة».
الكونغرس يستعد لإجراءات جديدة
في الوقت نفسه، يناقش الكونغرس، بقيادة الجمهوريين، تشريعات جديدة تهدف إلى تقويض المزيد من سلطات الحكم الذاتي للعاصمة. من بين المقترحات المطروحة: تمديد فترة مراجعة القوانين المحلية من 30 إلى 60 يوماً، وإلغاء بعض المناصب المنتخبة، إضافة إلى دعم حملة «تجميل المدينة» التي أطلقها ترمب.
رئيس لجنة الرقابة في مجلس النواب، جيمس كومر، قال إن هذه الإجراءات تهدف إلى «استعادة الأمن في العاصمة»، وأشاد «بالتعاون المثالي» بين البيت الأبيض ورئيسة البلدية موريل باوزر.
وفيما لم تُبدِ باوزر اعتراضاً صريحاً على العديد من الإجراءات، يصفها منتقدوها بأنها تتعامل بـ«استراتيجية حذرة» لتجنُّب استفزاز البيت الأبيض، على حساب الدفاع الصريح عن استقلالية المدينة.
ومع بقاء الحرس الوطني في العاصمة، وتواصل عمليات الهجرة، واستمرار النقاش في الكونغرس حول تقليص استقلالية المدينة، لا يرى كثير من المسؤولين أن الأزمة قد انتهت. وقالت العمدة باوزر: «ينصب تركيزي الآن على الخروج من حالة الطوارئ»، في موقف اعتبره منتقدوها غير كافٍ.
يرى بعض الخبراء أن تأثير تدخل ترمب في خفض الجريمة لا يمكن قياسه بدقة، لأن الاتجاه الهبوطي للجريمة كان قائماً مسبقاً. فوفقاً لبيانات شرطة العاصمة، انخفضت جرائم العنف بنسبة 27 في المائة هذا العام مقارنة بالعام الماضي، بما في ذلك انخفاض في جرائم القتل بنسبة 17 في المائة، والسرقة بنسبة 32 في المائة.
خبراء أمنيون عدوا أن الأمر ليس تعاوناً أمنياً تقليدياً، بل استعراض سياسي للسلطة، وأن الانتشار الواسع للقوات لم يكن مركّزاً على المناطق أو الأشخاص الأكثر خطراً. ورغم التشكيك في فعالية الحملة، احتفى البيت الأبيض بها كـ«نموذج يُحتذى به». وأعلنت كارولين ليفيت المتحدثة باسم البيت الأبيض أن أكثر من 2000 شخص تم اعتقالهم منذ انطلاق العملية، ودعت المدن الأخرى إلى الاقتداء بتجربة واشنطن، وهو ما قد يكون على وشك الحصول؛ حيث إن ترمب كان قد هدد بتعميم التجربة على مدن أميركية أخرى، خصوصاً تلك التي يسيطر عليها الديمقراطيون. وبعد عمليات مماثلة في لوس أنجليس، تستعد السلطات لتنفيذ عملية في مدينة شيكاغو بولاية إلينوي، رغم اعتراضات حاكم الولاية. ومع ذلك، بدأت وكالة «أيس» حملة مكثفة أُطلق عليها «عملية ميدواي بليتز»، استهدفت مجتمعات المهاجرين تحت شعار مكافحة الجريمة.
وتعرضت هذه الحملات لانتقادات حادة، سواء من القادة المحليين أو منظمات حقوق الإنسان، التي وصفتها بأنها «تسييس للأمن» واستهداف ممنهج للمدن التي يقودها ديمقراطيون. كما عبر مسؤولو الحرس الوطني في وثائق داخلية، حصلت عليها صحيفة «واشنطن بوست»، عن «قلقهم من فقدان ثقة الأميركيين في الجيش»، مشيرين إلى أن المهمة الأخيرة في واشنطن أثارت مشاعر «العار» بين الجنود بسبب طبيعتها السياسية.