كتب ديفيد بيرسون وأليكس ترافيلي في صحيفة نيويورك تايمز.
ربما تكون هذه حالة أخرى من المثل القائل: عدو عدوي هو صديقي.
وفي كلتا الحالتين، كانت مفاجأة سارة للصين أن ترى منافستها العالمية الكبرى – الولايات المتحدة – تخوض معركة مع الهند، أكبر منافس آسيوي لبكين.
العلاقات بين واشنطن ونيودلهي في حالة توتر بعد أن هدَّدت إدارة ترمب هذا الشهر بمضاعفة الرسوم الجمركية على السلع الهندية لتصل إلى 50 في المائة، مشيرة إلى واردات الهند من النفط الروسي.
ويهدد هذا الصدع المفاجئ بتقويض سنوات من التعاون المتنامي بين الولايات المتحدة والهند في مجالات مثل الأمن والتكنولوجيا، التي كانت تغذيها إلى حد كبير الرغبة المشتركة في الحفاظ على طموحات الصين العالمية قيد السيطرة.
كما أنه ضخ قوة دفع جديدة في تخفيف حدة التوتر بين الصين والهند، التي تصاعدت خلال السنوات الأخيرة. بدأ ذوبان الجليد بشكل جدي في أكتوبر (تشرين الأول) عندما التقى الرئيس الصيني شي جينبينغ مع رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي في قمة الاقتصادات الناشئة في قازان بروسيا. ومنذ ذلك الحين، زاد البلدان من الزيارات الرسمية وبحثا تخفيف الحواجز التجارية وحركة المواطنين.
صرح مانوج كيوالراماني، رئيس قسم الدراسات في منطقة المحيطين الهندي والهادي في معهد «تاكاشاشيلا» في بنغالور، الهند: «أعتقد أن هناك قدراً معيناً من الشماتة بين بعض الناس في بكين عندما ينظرون إلى القضايا التجارية بين الهند والولايات المتحدة»، ثم أضاف أن «انهيار الثقة السياسية بين نيودلهي وواشنطن يصب في صالح بكين».
مما لا شك فيه أنه لا يزال هناك الكثير من الأمور التي تُفرّق بين العملاقين الآسيويين. ويشمل ذلك السيطرة على حدود مشتركة تمتد على طول 2100 ميل، وتقارب الصين مع خصم الهند، باكستان؛ وطموح الهند لجذب الشركات المصنعة متعددة الجنسيات التي تحاول الحد من اعتمادها على الصين.
كان اجتماع أكتوبر (تشرين الأول) بين مودي وشي أول لقاء مباشر بين الزعيمين شخصياً منذ قمة 2019 في الهند، أي قبل عام من تدهور العلاقات في أعقاب اشتباك دامٍ على الحدود في جبال الهيمالايا بين القوات الصينية والهندية.
ومنذ المحادثات الروسية، خففت الدولتان من قيود تأشيرات السفر، وتعملان على استعادة الرحلات الجوية المباشرة. وفى يونيو (حزيران) سمحت بكين لحجاج من الهند بزيارة الأماكن المقدسة في التبت. وقال راندير جايسوال، المتحدث باسم وزارة الخارجية الهندية، الأسبوع الماضي، إن الصين والهند تجريان أيضاً مناقشات لإعادة فتح ثلاثة مراكز تجارية على طول حدودهما الجبلية.
وصل وانغ يي، كبير الدبلوماسيين الصينيين، إلى الهند، يوم الاثنين، في أحدث جولة من المحادثات بشأن قضايا الحدود، فضلاً على القضايا الاقتصادية والتجارية. وهذه هي المرة الأولى التي يزور فيها وانغ الهند منذ أكثر من ثلاث سنوات.
وقال وزير الخارجية الهندي س. جايشانكار، في مَعرض ترحيبه بوانغ، إن «البلدين يسعيان الآن إلى المضي قدماً من مرحلة صعبة في العلاقات بينهما».
وأضاف أنه «عندما تلتقي أكبر دولتين في العالم، من الطبيعي أن يتم مناقشة الأوضاع الدولية. إننا نسعى إلى نظام عالمي عادل ومتوازن ومتعدد الأقطاب، بما في ذلك آسيا متعددة الأقطاب»، وأضاف أنه «في البيئة الراهنة، من الواضح أن هناك حتمية الحفاظ على الاستقرار وتعزيزه في الاقتصاد العالمي أيضاً».
في هذا الشهر، سوف يزور مودي الصين للمرة الأولى منذ سبع سنوات لحضور اجتماع قمة الأمن الإقليمي في مدينة تيانجين الشمالية الشرقية. وسوف يحضر شي جينبينغ والرئيس الروسي فلاديمير بوتين أيضاً، فيجمع بين ثلاثة من الزعماء المتخاصمين – بدرجات متفاوتة – مع الولايات المتحدة.
كما حرصت حكومة مودي على عدم إثارة غضب الرأي العام الهندي، بشأن الطريقة التي ساعدت بها الصين الجيش الباكستاني خلال اشتباك مع القوات الهندية في مايو (أيار)، وهو ما يدل على التزام نيودلهي بعلاقات أكثر سلاسة مع بكين.
ذكر فيجاي غوخالي، السفير الهندي السابق في بكين، في مقال رأي نشرته صحيفة «تايمز أوف إنديا»، أمس الثلاثاء، أن الصين والهند لا تزالان تتباينان في المصالح. ولكنه كتب أن الصين وفرت للهند وغيرها من البلدان النامية التوازن الحاسم في مواجهة «الفوضى الترمبية» كمصدر لرأس المال والتكنولوجيا وكشريك في مكافحة تغير المناخ.
وأضاف غوخالي: «إن الصين تبدو أفضل حالاً من أي وقت مضى خلال السنوات الخمس الماضية».
وقال محللون إن بكين استجابت لموقف الهند الأكثر ودية بتفاؤل حذر، آخذة في الاعتبار فرصة أن تكون إعادة التوجيه مجرد لعبة للتحوط ضد إدارة ترمب.
هذا العام، دعا شي إلى أن تكون العلاقات أشبه برقصة «تانغو التنين والفيل» المتناغمة، في إشارة إلى المخلوقات الرمزية لدى البلدين. وعلى الرغم من هذه البادرة، تواصل الصين تحصين حدودها مع الهند عن طريق بناء طرق جديدة وشبكات سكك حديدية وقرى يمكنها أيضاً أن تخدم الجيش الصيني.
وتتنافس القوتان أيضاً على النفوذ عبر المحيط الهندي، وهو الممر المائي المهم لمبادرة «الحزام والطريق» في بكين، وهو مشروع عالمي للبنية التحتية يهدف إلى تعميق شبكات سلسلة التوريد في الصين.
إن أحد أبرز عوامل التوتر مع الهند من وجهة نظر الصين هو الشك في أن نيودلهي تتخلى عن سياستها الخارجية غير المنحازة تاريخياً، للاقتراب أكثر من مجال واشنطن. وتشير بكين إلى مجموعة الدفاع الرباعية، التي تضم أربع ديمقراطيات كبيرة؛ الهند، والولايات المتحدة، واليابان، وأستراليا، لمواجهة الصعود العسكري للصين.
وصرح مسؤول هندي بأن المضي قدماً في الاجتماع المقبل لزعماء المجموعة الرباعية، المتوقع في وقت لاحق من العام الحالي في الهند، سوف يعتمد على ما إذا كانت إدارة ترمب ونيودلهي قادرتين على إصلاح الخلاف التجاري بينهما وإعادة بناء الثقة.
كانت أجهزة الإعلام الرسمية الصينية متفائلة إلى حد كبير بشأن التوترات بين الولايات المتحدة والهند. وقالت صحيفة «غلوبال تايمز»، وهي صحيفة شعبية تابعة للحزب الشيوعي الصيني، إن زيارة مودي القادمة إلى الصين كانت علامةً على فشل واشنطن في جذب نيودلهي إلى استراتيجيتها «لاحتواء» بكين.
وقالت الصحيفة: «إن الصين والهند جارتان، وقائمة المجالات التي يمكنهما التعاون فيها طويلة».
مع ذلك، إذا أراد المسؤولون الهنود تحسين العلاقات مع الصين، فسوف يتعين عليهم القيام بذلك وفقاً لشروط بكين، وفقاً للمحللين.
مما يعني زيادة انفتاح الهند على الشركات والاستثمارات الصينية، والاستمرار في تخفيف القيود المفروضة على تأشيرات الدخول لرجال الأعمال الصينيين. وقد منعت الهند شركة «BYD» الصينية لصناعة السيارات من إنشاء مصانع، وحظرت التطبيقات الصينية، بما في ذلك تطبيق «تيك توك» الشهير.
وقال لين مينوانغ، الخبير في علاقات الصين مع جنوب آسيا في «جامعة فودان» في شنغهاي: «إذا كانت الهند تسعى إلى تحسين علاقاتها مع الصين، فإن الصين ترحب بذلك. ومع ذلك، فإن الصين لن تقدم تنازلات أو تضحيات كبيرة لاستيعاب ما يسمى الموقف الدبلوماسي الهندي».
وقال لين إن الصين لن تتزحزح عن مصالحها الوطنية، حتى تلك التي تشكل أكبر تهديد لنيودلهي، مثل دعم بكين الوثيق لباكستان.
ويقول محللون آخرون إن الهند تشعر بالقلق أيضاً، فقد تعرض مودي لضربة من قبل بعد الثقة بالرئيس شي بسهولة أكبر مما ينبغي.
وقال لين: «إن النهج الحالي للهند مدفوع في المقام الأول بالحسابات الاستراتيجية، نظراً إلى تدهور علاقاتها مع الولايات المتحدة، فقد اعتمدت بعض المبادرات الودية للصين. وأعتقد أن الجانب الصيني سوف يُقيّم هذه التطورات بدرجة من الحذر على الأقل».