غارات جوية روسية أوكرانية رغم بدء أكبر عملية تبادل للأسرى
تبادلت روسيا وأوكرانيا المزيد من الغارات الجوية المكثفة، على الرغم من تبادل الأسرى الجاري بينهما، في أعقاب أول اجتماع دبلوماسي مباشر بينهما جرى الأسبوع الماضي في إسطنبول. وعدت تلك الغارات تذكيراً بأن التوصل إلى حل دبلوماسي للصراع لا يزال بعيد المنال، في الوقت الذي يتبادل فيه الطرفان المسؤولية عن إجهاض الجهود الجارية لوقف الحرب.
وأطلقت روسيا لليلة الثالثة على التوالي هجوماً بمئات الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية، شمل 250 طائرة مسيّرة بعيدة المدى و14 صاروخاً باليستياً، كانت كييف، العاصمة الأوكرانية، الهدف الرئيسي لها. وأعلن الجيش الأوكراني أنه اعترض 6 صواريخ وجميع الطائرات المسيّرة تقريباً، لكن ما لا يقل عن 15 شخصاً في كييف أصيبوا بجروح عندما تحطمت الطائرات المسيّرة وحطام الأسلحة التي تم اعتراضها على الشقق، مما أدى إلى اشتعال النيران فيها.
ليلة صعبة على أوكرانيا
وقالت موسكو إن قواتها سيطرت على تجمعات ستوبوتشكي وأوترادني ولوكنيا السكانية في منطقتي دونيتسك وسومي الأوكرانيتين. ويأتي هذا الإعلان بعد ساعات من تعرض العاصمة الأوكرانية كييف لهجوم روسي واسع النطاق بطائرات من دون طيار (مسيّرات) وصواريخ، مما أسفر عن إصابة 15 شخصاً، على الأقل، بحسب ما ذكره مسؤولون محليون.
وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في بيان السبت: «لقد كانت ليلة صعبة على أوكرانيا بأكملها»، مشيراً إلى أن روسيا تجاهلت مراراً وتكراراً عروض أوكرانيا بوقف مؤقت لإطلاق النار، وبأن السبيل الوحيد لإقناعها هو بفرض عقوبات إضافية على قطاعات رئيسية من الاقتصاد الروسي. واتهم زيلينسكي روسيا بإطلاق 250 مسيّرة معظمها من نوع «شاهد» الإيرانية. وقال زيلينسكي على إكس «إن عقوبات إضافية تستهدف قطاعات رئيسية في الاقتصاد الروسي هي وحدها التي ستجبر موسكو على وقف إطلاق النار»، مضيفاً أن «سبب إطالة أمد الحرب يكمن في موسكو».
وأشار رئيس البلدية والإدارتان العسكرية والمدنية في كييف إلى اندلاع حرائق عدة وسقوط حطام صواريخ ومسيّرات على أبنية في عدد كبير من أحياء المدينة. وقال وزير الخارجية الأوكراني أندري سيبيها عبر منصة «إكس» إن عاصمة بلاده كييف ومناطق أخرى شهدت ليلة صاخبة، إذ عملت الدفاعات الجوية بشكل متواصل لصد الهجمات الجوية الروسية، مشيراً إلى تضرر مبانٍ سكنية في كييف، وإصابة ثمانية أشخاص على الأقل. وقال: «مرّ أسبوع على اجتماع إسطنبول، ولم تُرسل روسيا (مذكرة السلام) بعد. بل تُرسل طائرات مُسيّرة وصواريخ فتّاكة إلى المدنيين».
ومع ذلك، صعّدت أوكرانيا أيضاً هجماتها الجوية على روسيا في الأسابيع الأخيرة. وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، أطلقت مئات الطائرات دون طيار على المدن الروسية، وكانت موسكو هدفاً رئيسياً، في واحدة من أكبر الهجمات في الحرب، مما أجبر بعض المطارات الروسية على الإغلاق مؤقتاً. والسبت، قالت وزارة الدفاع الروسية إنها اعترضت 94 طائرة دون طيار أوكرانية خلال الليل. وفي منطقة ليبيتسك، بالقرب من الحدود الأوكرانية، أفاد مسؤولون محليون بتحطم طائرات من دون طيار في منطقة صناعية تضم، وفقاً للجيش الأوكراني، مصنعاً كبيراً لإنتاج بطاريات الأسلحة.
تبادل الأسرى مستمر
وجاءت الهجمات الليلية بعد ساعات قليلة من بدء الجانبين أكبر عملية تبادل للأسرى، وهي النتيجة الملموسة الوحيدة لمحادثات وقف إطلاق النار التي جرت الأسبوع الماضي في تركيا، ومن المتوقع أن تستمر حتى الأحد، وتسمح لألف أسير من كل دولة بالعودة إلى ديارهم. ويوم الجمعة، تم تبادل دفعة أولى من 270 جندياً و120 مدنياً من كل جانب، الأمر الذي عد أملاً حذراً في بناء الثقة بين الطرفين.
وعدّت عملية تبادل الأسرى لحظة نادرة للتعاون في جهود فشلت حتى الآن في التوصل لوقف إطلاق النار في الحرب المستمرة منذ نحو ثلاث سنوات.
وتعليقاً على بدء صفقة التبادل، تساءل الرئيس الأميركي دونالد ترمب في منشور على منصته «تروث سوشيال» يوم الجمعة قائلاً: «هل يمكن أن يؤدي هذا إلى شيء كبير؟».
ترمب الذي غيّر مواقفه بشأن أوكرانيا مراراً وتكراراً، بدا حريصاً على مواصلة سياساته تجاه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على الرغم من أن الأخير لم يقدم حتى الساعة أي تنازل عن مواقفه.
وعبر الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن اعتقاده بأن هذه العملية، التي من المقرر أن تشهد إطلاق سراح 1000 أسير من كل جانب على مدى ثلاثة أيام، ستمهد لمرحلة جديدة في جهود التفاوض على اتفاق سلام بين موسكو وكييف.
وقالت وزارة الدفاع الروسية إن كل جانب أعاد للآخر 307 جنود إضافيين، بعد يوم من تبادل كل طرف 390 من العسكريين والمدنيين مع الآخر، وأكد الجانب الأوكراني الأرقام المعلنة على لسان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عبر حسابه الرسمي على قناة «تليغرام»، مضيفاً: «من بين هؤلاء الذين عادوا اليوم جنود من جيشنا، ومن هيئة الحدود الحكومية والحرس الوطني الأوكراني».
وأضاف: «نتوقع المزيد غداً». وقالت الوزارة الروسية إنها تتوقع استمرار عملية التبادل، دون الكشف عن مزيد من التفاصيل.
وأوضحت وزارة الدفاع الروسية أنه «في الوقت الحاضر، يوجد جميع العائدين من الأسر في بيلاروس، حيث يتلقون المساعدة النفسية والطبية اللازمة. ومن ثم سيتم نقلهم إلى روسيا لتلقي العلاج والتأهيل في المؤسسات الطبية التابعة لوزارة الدفاع».
ترمب متمسك ببوتين
وبينما يقول معارضو ترمب إنه يتعرض للخداع وإن بوتين لا يريد السلام، بل يماطل في رهان على الوقت لتعديل كفة الصراع ميدانياً بشكل كبير، يقول مسؤولون في البيت الأبيض إنهم ما زالوا يعتقدون أن بوتين على وشك اتخاذ خطوات ملموسة نحو التوصل إلى اتفاق.
ورغم أن ترمب نفسه قد أقر أخيراً باستغلال بوتين له، وأبلغ قادة أوروبيين بأن الرئيس الروسي لا يريد السلام الآن لأنه يعتقد أنه منتصر، غير أنه لم يعمد إلى اتخاذ أي إجراء ضده. لا بل تراجع عن شرط وقف إطلاق النار، ولم يفرض عقوبات إضافية كما هدد سابقاً، ولم يعمد إلى طمأنة حلفاء الناتو حول مستقبل تعامل بلاده معهم. وخرج بعد مكالمته الهاتفية معه الاثنين الماضي أكثر قرباً من بوتين، متنحياً عن لعب دور الوسيط لمصلحة الصيغة التي يفضلها بوتين. وقال إن روسيا مستعدة لتوضيح مطالبها للسلام كخطوة دبلوماسية حاسمة. واقترح ترمب إجراء محادثات سلام في الفاتيكان، حيث قال مسؤولون في البيت الأبيض إن الروس سيصلون حاملين «مذكرة سلام» توضح رؤية موسكو لوقف إطلاق النار، واتفاقاً أوسع لإنهاء الحرب. وهو ما لم يجر حتى الآن، بحسب الجانب الأوكراني، الذي أضاف أنه ليست لديه معلومات حول موعد أو مكان انعقاد الجولة التالية من المحادثات، بعد الاجتماع الأول الذي عُقد في إسطنبول.
بانتظار مذكرة السلام
ورغم تأكيد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الجمعة أن روسيا تُعدّ مثل هذه المذكرة، لكنه رفض فكرة عقد الاجتماع في الفاتيكان، مُدّعياً أنه لن يكون مكاناً مناسباً لاجتماع دولتين مسيحيتين أرثوذكسيتين.
وقال لافروف إن بلاده مستعدة لتسليم أوكرانيا مسودة وثيقة تحدد شروط اتفاق سلام طويل الأجل بمجرد الانتهاء من عملية تبادل الأسرى الحالية. وأضاف لافروف في تصريحات نشرها الموقع الإلكتروني لوزارة الخارجية الروسية أن موسكو ملتزمة بالعمل على التوصل إلى تسوية سلمية للحرب. كما اتهم أوكرانيا بشن هجمات بطائرات مسيّرة على مدى عدة أيام على أهداف روسية، مما أسفر عن سقوط قتلى وتعطيل حركة الملاحة الجوية.
وأشار إلى أن دولاً أوروبية شجعت كييف على شن هذه الهجمات لتقويض جهود السلام التي يقودها الرئيس الأميركي دونالد ترمب. وقال لافروف: «نحن ملتزمون بالتوصل إلى تسوية سلمية ومنفتحون دائماً على المحادثات… واسمحوا لي أن أؤكد التزامنا بالاتفاقات التي جرى التوصل إليها مؤخراً في إسطنبول».
وأضاف: «نعمل بنشاط على الجزء الثاني من الاتفاقات، الذي ينص على قيام كل جانب بإعداد مسودة وثيقة تحدد الشروط اللازمة للتوصل إلى اتفاق موثوق وطويل الأمد بشأن التسوية».
وتابع: «بمجرد الانتهاء من تبادل أسرى الحرب، سنكون مستعدين لتسليم الجانب الأوكراني مسودة هذه الوثيقة التي يعمل الجانب الروسي الآن على استكمالها».
وقال لافروف إن زيادة الهجمات الأوكرانية بطائرات مسيّرة هي «نتيجة مباشرة» للدعم الذي قدمته دول بالاتحاد الأوروبي لأوكرانيا والتي زار قادتها كييف في الأيام القليلة الماضية. وأضاف لافروف في إشارة إلى الدول الأوروبية: «نحن على يقين من أنهم سيحاسبون على نصيبهم من المسؤولية عن هذه الجرائم». وتابع: «من الواضح أن هذه محاولة لعرقلة محادثات السلام وتقويض التقدم المحرز في إسطنبول عقب الاتفاقات بين رئيسي روسيا والولايات المتحدة… وسنواصل هذا العمل مهما كانت الاستفزازات». وكانت وزارة الخارجية الروسية توعدت في وقت سابق بالرد على الهجمات.
ومع ذلك، يواصل ترمب سياسة الصبر مع بوتين، معتقداً أن الدبلوماسية معه أقنعته بإعداد مذكرة السلام المرتقبة، وهو أمر لم يكن مستعداً لفعله من قبل، وبأن الحفاظ على العلاقات الودية معه سيكون أكثر فائدة. ويرى الجمهوريون، وخصوصاً في مجلس الشيوخ، أن ترمب لديه على الدوام رد جاهز في حال فشلت جهوده مع بوتين. ولدى المجلس مشروع قرار قاده السيناتور الجمهوري، ليندسي غراهام، حليف ترمب المقرب، وحصل على موافقة مبدئية من 80 سيناتوراً، لفرض رسوم جمركية بنسبة 500 في المائة على الدول (وخاصة الصين) التي تشتري النفط الروسي.