دعت منظمات أممية وحقوقية قادة العالم للتحرك الفوري لوقف أعمال القتل العشوائي المستمرة في دارفور وكردفان غرب السودان، ومنع ارتكاب المزيد من «الفظائع» في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، مشيرة إلى تقارير عن قيام «قوات الدعم السريع» بقتل مدنيين داخل منازلهم وفي منشآت طبية بالمدينة. فيما تحدثت بعثة تقصي الحقائق، التابعة للأمم المتحدة، الجمعة، عن «بؤرة للفظائع الممنهجة في مدينة الفاشر»؛ من قتل جماعي وعنف جنسي وتهجير قسري للمدنيين، ودعت المجتمع الدولي إلى إنشاء هيئة قضائية مستقلة لمحاسبة مرتكبي الجرائم في السودان بالتنسيق مع المحكمة الجنائية الدولية.
وقالت المفوضية العليا للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، الجمعة إن المئات من المدنيين العزل في السودان ربما يكونون قد قتلوا خلال سيطرة «قوات الدعم السريع» على مدينة الفاشر المحاصرة منذ فترة طويلة.
وسقطت المدينة، التي كانت آخر معقل كبير للجيش السوداني في إقليم دارفور بغرب السودان، في يد «قوات الدعم السريع»، السبت، لينتهي حصار استمر 18 شهراً.
وقال المتحدث باسم مكتب المفوضية سيف ماغانغو، في إفادة صحافية بجنيف، الجمعة: «نقدر أن عدد القتلى كان بالمئات من المدنيين والمحتجزين في أثناء هجوم (قوات الدعم السريع) على المدينة وطرق الخروج منها، وكذلك في الأيام التي تلت السيطرة عليها». وتحدث عن شهادات عن عمليات إعدام دون محاكمة وقتل جماعي.

ورفضت «قوات الدعم السريع» اتهامات سابقة بارتكابها انتهاكات، ووجهت اتهامات مضادة للجيش السوداني. وذكر المتحدث أن عشرات الآلاف من الأشخاص فروا من المدينة وسط الاضطرابات، وأن بعض الشهادات حول الفظائع التي ارتُكبت في الفاشر جاءت من ناجين اضطروا للسير على الأقدام لمدة ثلاثة أو أربعة أيام إلى بلدة طويلة.

وأضاف ماغانغو خلال مؤتمر صحافي افتراضي من العاصمة الكينية نيروبي، أن المكتب تلقى شهادات من عاملين في مجال الإغاثة تفيد بأن 25 امرأة على الأقل تعرضن للاغتصاب الجماعي عندما دخل مقاتلو «قوات الدعم السريع» إلى مأوى للنازحين بالقرب من الجامعة هناك. وقال للصحافيين: «يؤكد الشهود أن أفراداً من (قوات الدعم السريع) اختاروا نساء وفتيات واغتصبوهن تحت تهديد السلاح، مما أجبر بقية النازحين، وهم نحو مائة أسرة، على مغادرة المكان وسط إطلاق النار وترهيب للسكان الأكبر سناً».
من جهتها، دعت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، الجمعة، قادة العالم إلى التحرك العاجل لوقف «القتل العشوائي» في السودان، مؤكدة أن المدنيين يعيشون «رعباً يصعب تصوره»، وسط انتهاكات متكررة لقواعد الحرب.
وقالت رئيسة الصليب الأحمر ميريانا سبولياريتش، في بيان، إن على القادة أن «يُظهروا الآن الشجاعة السياسية اللازمة لوقف القتل، وضمان عودة أطراف النزاع إلى الالتزام بقواعد الحرب»، مضيفة أن على جميع الدول «واجب احترام القانون الدولي الإنساني وضمان التزام الآخرين به».
وأضافت: «لا شيء يتيح الدفاع عن الانتهاكات الصارخة لقواعد الحرب التي نشهدها في السودان»، مشددة على أنه لا ينبغي أن يُقتل أي مريض داخل المستشفى، أو يُطلق النار على أي مدني وهو يحاول الفرار من منزله. وأكدت أن الصليب الأحمر دعا مراراً أطراف النزاع إلى احترام القانون الدولي الإنساني، «لكن هذا القانون لا ينفك يُنتهك في ظل إفلات المنتهكين من العقاب»، لافتة إلى أن المدنيين «يتعرضون لهجمات وحشية وعنف جنسي متفشٍ وتدمير متعمد للخدمات الأساسية».
وقالت سبولياريتش إن المرافق التي كانت مخصصة لإنقاذ الأرواح أصبحت «ساحات موت ودمار»، مشيرة إلى أن خمسة من العاملين في جمعية الهلال الأحمر السوداني قتلوا هذا الأسبوع في ولاية شمال كردفان. واختتمت بالقول: «أرواح الناس في السودان تعتمد اليوم على تحرك قوي وحاسم لوقف هذه الفظائع»، مؤكدة أن العالم «لا يمكن أن يظل صامتاً بينما تُسلب حياة المدنيين وكرامتهم وتُنتهك القواعد التي وُجدت أصلا لحمايتهم».
واندلعت الحرب في السودان بين الجيش و«قوات الدعم السريع» في أبريل (نيسان) 2023 بسبب صراع على السلطة خلال فترة انتقالية كان من المفترض أن تنتهي بإجراء انتخابات للتحول نحو حكم مدني. وأدى الصراع إلى نزوح ملايين السودانيين ومعاناة أكثر من نصف السكان من الجوع والأمراض.
«الدعم» ستحاكم أبو لولو
وأعلنت «قوات الدعم السريع» توقيف عدد من مقاتليها المشتبه بارتكابهم انتهاكات إبان سيطرتها، الأحد، على مدينة الفاشر التي كانت آخر معاقل الجيش في إقليم دارفور في غرب السودان، ومن بينهم المدعو أبو لولو.
وكان قائد «قوات الدعم» محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي، أعرب، الأربعاء، عن أسفه لـ«الكارثة» التي تعرّض لها سكان الفاشر بعد سيطرة قواته عليها، متحدثاً عن تشكيل «لجان محاسبة».
وقالت «قوات الدعم»، في بيان نُشر ليل الخميس: «تنفيذاً لتوجيهات القيادة، والتزاماً بالقانون وقواعد السلوك والانضباط العسكري في أثناء الحرب، ألقت قواتنا القبض على عددٍ من المتهمين بالتجاوزات التي صاحبت تحرير مدينة الفاشر، وعلى رأسهم المدعو أبو لولو».
وقال المتحدث باسمها، الفاتح قرشي، في بيان، إن القبض على المتهمين جاء بتوجيهات من القيادة العسكرية العليا، مضيفاً أن اللجان القانونية المختصة باشرت التحقيق معهم توطئةً لتقديمهم للعدالة ومحاكمتهم.
وأوضح أن هذه الإجراءات تأتي منعاً لأي انتهاكات تمسّ الكرامة الإنسانية وتتعارض مع الاتفاقيات الدولية. وأكد قرشي أن «قوات الدعم السريع» تتعامل بمسؤولية كاملة لإحقاق العدالة.

وجدد حرص القيادة التام على سيادة حكم القانون، ومحاسبة كل من يثبت تورطه في أي تجاوزات أو انتهاكات، مهما كانت محدودة أو ناتجة عن سلوكيات فردية. وظهر «أبو لولو» في تسجيلات صوتية عديدة يوثق فيها وحشيته، نافياً انتماءه لأي جهة، قائلاً إنه يقود مجموعة قتالية خاصة به متمردة على الدولة، وتباهى في أحدها بقتله «قرابة ألف شخص» في الفاشر وحدها، لكن الرجل مهما ادعى أو نفته «الدعم السريع»، فهو كان مشاركاً في عملياتها الحربية.

