أثار إغلاق قضية تجسس في بريطانيا “صدمة وخيبة أمل” في صفوف المعارضة، فيما سلطت القضية الضوء على تساي تشي، خامس أعضاء اللجنة الدائمة للمكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني، وأحد أقوى الشخصيات في الصين، بحسب صحيفة “الجارديان”.
وواجه تشي اتهامات بـ”تلقي معلومات استخباراتية حساسة من باحثين بريطانيين اثنين، هما كريستوفر بيري وكريستوفر كاش، وهي القضية التي تم التخلي عنها لاحقاً بسبب “نقص الأدلة”.
وكان مكتب الادعاء العام البريطاني (CPS) قال في أبريل 2024 إن “عضواً كبيراً في الحزب الشيوعي الصيني وعضواً في المكتب السياسي” تلقى “معلومات حساسة سياسياً” من باحثين بريطانيين كانا متهمين بالتجسس لصالح الصين.
وأشارت “الجارديان” إلى أن هذا الشخص هو تساي تشي، عضو اللجنة الدائمة للمكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني. اللجنة هي الهيئة الحاكمة للحزب ويترأسها شي جين بينج، الرئيس الصيني.
تلميذ شي جين بينج
تساي، الذي يُعد من تلامذة شي، هو خامس أعضاء اللجنة المكونة من سبعة أشخاص، مما يجعله أحد أقوى الشخصيات في الصين. وكان سابقاً أمين الحزب في بكين، كما أنه مدير المكتب العام للحزب الشيوعي الصيني، ما يجعله بمثابة رئيس الموظفين الفعلي لشي.
في الشهر الماضي، تخلّى مكتب الادعاء العام عن التهم الموجهة إلى كريستوفر بيري وكريستوفر كاش، بسبب نقص الأدلة.
لكن تحديد هوية تساي في قضية مكتب الادعاء هو جوهر ملحمة استمرت عامين ونصف، يرى بعض أعضاء البرلمان أنها تكشف عن خطر عمليات الاستخبارات الصينية في البرلمان، بينما يقول خبراء الصين إنها تكشف عن نقص فهم المؤسسات البريطانية للسياسة الصينية.
وزعم مكتب الادعاء أن بين ديسمبر 2021 وفبراير 2023، “قام عميل استخبارات صيني” بتكليف بيري، الباحث البريطاني المقيم في الصين، بإعداد 34 تقريراً على الأقل.
وكانت هذه التقارير تحتوي على معلومات من كاش، الذي كان يعرف بيري ويعمل في البرلمان البريطاني، لصالح مجموعة أبحاث الصين، وهي مجموعة من نواب حزب المحافظين المعارضين للصين.
واعتقد مكتب الادعاء أن المعلومات تم تمريرها إلى تساي، الذي كان خلال معظم تلك الفترة عضواً في المكتب السياسي المكون من 24 شخصاً، وفي أكتوبر 2022 تم ترقيته إلى اللجنة الدائمة.
وذكرت “الجارديان” أن كاش وبيري ظلا يؤكدان براءتهما طوال الوقت. وفي 15 سبتمبر، بعد أكثر من عامين على اعتقالهما لأول مرة، تخلّى مكتب الادعاء العام البريطاني عن القضية.
صدمة وخيبة أمل
وفي رسالة إلى وزير الداخلية في حكومة الظل البريطانية، كريس فيلب، قال مدير الادعاء العام، ستيفن باركنسون، إن “الأدلة لم تعد تفي بالمعيار الإثباتي”، وهو المعيار الذي يتطلب وجود احتمال واقعي للإدانة. وأضاف باركنسون أنه في وقت اتخاذ قرار توجيه التهم، كانت هناك أدلة كافية. ونفى مكتب الادعاء وجود أي ضغوط سياسية.
وأعرب نواب حزب العمال والمحافظين ومكتب رئاسة الوزراء عن صدمتهم وخيبة أملهم من قرار إسقاط القضية. وقال ليندساي هويل، رئيس مجلس العموم، إنه “غير سعيد على الإطلاق” بالقرار ويفكر في اتخاذ إجراء خاص ضد كاش وبيري.
وكتب رؤساء لجنتي الشؤون الداخلية والعدل الاثنين إلى باركنسون طالبين منه تقديم مزيد من المعلومات بشأن سبب إسقاط التهم. وأوضحوا أن التفسير المقدم حتى الآن “يبعد بعض الشيء عن المستوى المقبول من التفاصيل في قضية ذات هذا القدر من الخطورة”.
وقال مدير معهد “لاو” لدراسات الصين في كلية “كينجز” بلندن، كيري براون،إن القضية “تثير تساؤلات حول كيفية تقييم أجهزة الأمن البريطانية للمعلومات في الصين”.
وحدّدت الحكومة “نقص الفهم بشأن الصين” كأحد التحديات أمام الأمن القومي البريطاني وخطط النمو الاقتصادي. وفي يونيو، قال ديفيد لامي، وزير الخارجية آنذاك، إن “تدقيقاً حول الصين” في علاقة الحكومة مع بكين كشف عن “نقص عميق في الثقة بكيفية التعامل مع الصين”.
وقال محامي بيري، جون أرمسترونج: “بيري لا يقبل أنه التقى بشخص من المستوى الرفيع الذي أشارت إليه النيابة على ما يبدو”. وأضاف أنه لا يوجد دليل على أن بيري التقى “بأي شخص من ذوي الأهمية داخل الحزب الشيوعي الصيني”، وأن القضية ضده “مليئة بتكهنات” و”لم يكن يجب رفعها”.
وأشار إلى أن بيري كان يكتب تقارير لعميل تجاري في الصين، ولم يكن أي من المواد المصنَّفة سرية.
في المقابل، قال مدير معهد الصين في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية (SOAS)، ستيف تسانج، إن “من المتوقع، بل من المأمول، أن يكون لدى أعضاء اللجنة الدائمة للمكتب السياسي مهام أكثر جدية من الاستماع لما يقوله باحثون في “مجموعة أبحاث الصين”. وأضاف أنه من غير المعتاد أن يكون لأعضاء المكتب السياسي اتصال مباشر بضباط استخبارات داخل الصين.
واعتبر تسانج أن محاكمة أي شخص يعتبر له خط اتصال مع المكتب السياسي في الصين ستكون “غباءً محضاً”، وأنه كان ينبغي على أجهزة الاستخبارات البريطانية محاولة تجنيده بدلاً من ذلك.
وقال متحدث باسم مكتب الادعاء العام البريطاني: “تمت مراجعة الأدلة في هذه القضية بشكل مستمر، وقد تم تحديد أن المعيار الإثباتي للجريمة الموجهة لم يعد مستوفى”.
ولم يرد مكتب المعلومات بمجلس الدولة، المسؤول عن الاستفسارات الإعلامية للحكومة الصينية، على طلب التعليق، بينما وصفت السفارة الصينية الاتهامات بأنها “مفبركة تماماً وتشويه خبيث”.