أعلنت باكستان وأرمينيا، الأحد، إقامة علاقات دبلوماسية بينهما، لأول مرة في تاريخ البلدين، وسط تطلعات بتطوير علاقات ودية قائمة على احترام السيادة، وعدم التدخل، والمساواة، والمنفعة المتبادلة.
وبحسب ما أفادت وكالة “أرمنبريس” الأرمينية الرسمية للأنباء، وقّع وزير خارجية أرمينيا آرارات ميرزويان ونظيره الباكستاني محمد إسحاق دار، بياناً مشتركاً بشأن إقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين.
وأفادت الخارجية الأرمينية أن مراسم التوقيع جرت في إطار قمة منظمة شنغهاي للتعاون المنعقدة في مدينة تيانجين الصينية.
وأشارت الوكالة إلى مساعي حكومتي البلدين لتطوير علاقات ودية وفقاً لميثاق الأمم المتحدة، بما في ذلك مبادئ الاحترام المتبادل للسيادة والسلامة الإقليمية وعدم الاعتداء وعدم التدخل في الشؤون الداخلية والمساواة والمنفعة المتبادلة والتعايش السلمي.
كما اتفقت حكومتا يريفان وإسلام أباد على تبادل الممثلين وتقديم المساعدة اللازمة لبعضهما البعض، وفقاً لاتفاقية العلاقات الدبلوماسية لعام 1961، واتفاقية فيينا والممارسات الدولية العرفية، بهدف إقامة علاقات دبلوماسية على أساس المعاملة بالمثل.
وقالت الخارجية الباكستانية في بيان، إن نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية محمد إسحاق دار، تبادل بياناً مشتركاً رسمياً مع نظيره الأرميني آرارات ميرزويان، مُرسياً بذلك علاقات دبلوماسية بين البلدين.
ووصف البيان تلك الخطوة بـ”التاريخية”، مشيراً إلى أن الجانبين أعلنا التزامهما بمبادئ وأهداف ميثاق الأمم المتحدة، وبحثا سبل التعاون الممكنة، بما في ذلك الاقتصاد والتعليم والثقافة والسياحة.
وجدّد الوزيران رغبتهما في العمل عن كثب معاً، في الأطر الثنائية ومتعددة الأطراف، لتحقيق أهدافهما المشتركة المتمثلة في السلام والتقدم والازدهار لشعبي بلديهما.
“ناجورنو قره باغ” سبب القطيعة
من جانبه، قال مصدر في وزارة الخارجية الباكستانية لـ”الشرق”، إن الاجتماع المباشر الذي جرى في تيانجين بين مسؤولي باكستان وأرمينيا هو الأول على الإطلاق بينهما، لافتاً إلى أن وزيري خارجية البلدين أجريا محادثة هاتفية قبل أيام قليلة، وذلك في إطار التمهيد للقاء.
وبحسب المصادر، استضاف الجانب الباكستاني ممثلين عن تركيا وأذربيجان في اجتماع اليوم.
ومنذ استقلال أرمينيا عن الاتحاد السوفيتي عام 1991، لم تقم أي علاقات دبلوماسية رسمية بين باكستان وأرمينيا.
ويعود ذلك بالدرجة الأولى إلى قضية ناجورنو قره باغ والتحالف الوثيق بين باكستان وأذربيجان وتركيا.
وكانت باكستان واحدة من 3 دول فقط في العالم (إلى جانب تركيا وأذربيجان) التي لا تعترف بأرمينيا كدولة مستقلة.
حالة فريدة من القطيعة الدبلوماسية
بينما تحافظ العديد من الدول على علاقات رسمية رغم الخلافات، تبرز باكستان وأرمينيا كحالتين فريدتين لعدم وجود علاقات دبلوماسية بينهما منذ استقلال أرمينيا.
وبعد استقلال أرمينيا، سارعت معظم الدول إلى إقامة علاقات دبلوماسية رسمية معها، إلا أن باكستان اختارت عدم الاعتراف بها كدولة مستقلة، وهو موقف ظلت متمسكة به منذ ذلك الحين.
ويرتبط موقف باكستان ارتباطاً وثيقاً بدعمها لأذربيجان في النزاع الطويل الأمد مع أرمينيا حول إقليم ناجورنو قره باغ المتنازع عليه، فهذا الصراع، الذي امتد لعقود، حظي باهتمام دولي واسع، وكانت باكستان من أبرز حلفاء أذربيجان.
وخلال التسعينيات وحتى بداية القرن الـ21، واصلت باكستان دعمها لمطالب أذربيجان، ودعت صراحة إلى انسحاب القوات الأرمينية من ناجورنو قره باغ. وفي المقابل، دعمت أذربيجان موقف إسلام آباد بشأن كشمير، مما عزز التحالف بين البلدين.
أما أرمينيا، فقد أعربت في المقابل عن دعمها لموقف الهند في قضية كشمير في مختلف المحافل الدولية، مما عمّق الانقسام بشكل أكبر.
عوامل جيوسياسية إقليمية
وهناك من يرى أن رفض باكستان الاعتراف بأرمينيا لا يتعلق بأذربيجان فحسب، بل يرتبط أيضاً بالوضع الجيوسياسي الإقليمي، إذ تتعاون باكستان وتركيا وأذربيجان استراتيجياً في كثير من الأحيان، بينما ترتبط أرمينيا تقليدياً بعلاقات وثيقة مع روسيا، وتزداد تقارباً مع الهند.
وعلى الرغم من الدعوات المتكررة من بعض المراقبين الدوليين لتطبيع العلاقات بين البلدين، لم تُتخذ أي خطوات ملموسة في هذا الاتجاه، بل على العكس، خلال حرب ناجورنو كاراباخ الثانية عام 2020، أبدت باكستان دعماً علنياً لأذربيجان، في حين اتهمت أرمينيا إسلام آباد بتقديم دعم عسكري لخصمها، وهو ما نفته باكستان.
وفي المحافل الدولية مثل الأمم المتحدة، وحركة عدم الانحياز، غالباً ما تقف باكستان وأرمينيا على طرفي نقيض في القضايا الرئيسية.
وفي عام 2021، أعلنت أرمينيا أنها لن تُقيم علاقات دبلوماسية مع باكستان ما لم تعترف إسلام آباد بالإبادة الجماعية للأرمن عام 1915، وهي نقطة خلاف أخرى، إذ أن باكستان، شأنها في ذلك شأن تركيا وأذربيجان، لا تعترف رسمياً بتلك الأحداث باعتبارها إبادة جماعية.
جذور الصراع بين أرمينيا وأذربيجان
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في مطلع تسعينيات القرن الماضي، تصاعد التوتر بين أذربيجان وأرمينيا بشأن الإقليم، وتحول التوتر إلى حرب صريحة لم تنتهِ إلا عام 1994 بسيطرة القوات الأرمينية على الإقليم، و7 مناطق أخرى مجاورة.
وتركزت السيطرة الأرمينية على 5 مناطق بشكل كامل، أولاً على لاشين في مايو 1992، ثم كيلباجار في مارس 1993، وأغدام في يوليو 1993، وفيزولي وجبرائيل وجوبادلي في أغسطس 1993، وزنجيلان في نوفمبر 1993. وتبلغ مساحة تلك الأراضي 8 آلاف و810 كيلومترات مربعة.
وأسفرت الحرب عن سقوط 30 ألف ضحية، كما دفعت أكثر من مليون شخص إلى النزوح، مع فرار الأذربيجانيين من أرمينيا وناجورنو قره باغ والمناطق المجاورة، واضطرار الأرمينيين إلى ترك منازلهم في أذربيجان.
وفي 9 أغسطس، وقّع الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف ورئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان بحضور الرئيس الأميركي دونالد ترمب بالبيت الأبيض، على اتفاق سلام يهدف لإنهاء 4 عقود من الصراع.
وقال ترمب خلال اجتماع مع علييف وباشينيان، إن البلدين اتفقا على الالتزام بوقف القتال لـ”الأبد”، مشيراً إلى أنهما سيعملان على فتح المجال أمام التعاملات التجارية والعلاقات الدبلوماسية، كما سيحترمان سيادة البلدين.
كما أعلن عن “مبادرة ترمب للسلام والازدهار الدوليين” الهادفة لـ”تسهيل الحوار وبناء العلاقات بين أذربيجان وأرمينيا، ما يسمح بالتواصل دون عوائق بين البلدين وشعبيهما”.