أميركا ترسخ هيمنتها على غزة… القرار لها لا لإسرائيل؟
رسخت الولايات المتحدة هيمنتها على إسرائيل ومنعتها من اتخاذ أي خطوات ضد حركة «حماس»؛ رداً على تأخرها في إعادة جميع الجثامين المحتجزة في قطاع غزة، فيما عززت القوات الأميركية سيطرتها على قطاع غزة برقابة مباشرة لصيقة، تسمح لها بتوجيه إسرائيل و«حماس» معاً.
وقالت مصادر مطلعة لهيئة البث الإسرائيلية «كان» إن الولايات المتحدة منعت إسرائيل من فرض عقوبات أو اتخاذ أي خطوات في هذه المرحلة، رداً على عدم إعادة القتلى، وعلى الرغم من أن «حماس» لم تعد ولا جثة واحدة آخر 3 أيام.
والضغط الأميركي على إسرائيل جاء في ظل اتهامات إسرائيلية لـ«حماس» بتعمد عدم تسليم الجثامين وإبطاء العملية.

وقالت المصادر إن أجهزة الأمن الإسرائيلية مقتنعة بقدرة «حماس» على إعادة 10 على الأقل من جثث الرهائن الـ13 المتبقية في غزة، (حتى مساء يوم السبت) حتى دون مساعدة دولية. وقد عرض كبار مسؤولي الاستخبارات المعلومات التي تقود إلى هذا الاستنتاج على نائب الرئيس الأميركي، جي دي فانس، في أثناء وجوده في إسرائيل.
وقال مصدر سياسي إسرائيلي إن هذه المعطيات «تثبت أن ادعاءات (حماس) بشأن حاجتها إلى وقت إضافي للعثور على الجثامين تهدف إلى المماطلة وتأجيل تنفيذ اتفاق شرم الشيخ».
لكن رغم ذلك لجمت الولايات المتحدة إسرائيل عن أي رد، وذلك في سياق الحفاظ على وقف النار، مع قناعة أميركية بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وحكومته، يريدان تخريب الاتفاق.
وكان الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، شغل جسراً جوياً إلى إسرائيل، الأسبوع الماضي، شمل نائبه جي دي فانس والمبعوثَين ستيف ويتكوف، وجاريد كوشنر ثم وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو.
وقالت وسائل إعلام إسرائيلية إن زيارة روبيو ليست الأخيرة لكبار المسؤولين الأميركيين؛ إذ ينتظر وصول مسؤول كبير آخر في إدارة ترمب يوم الأحد، وهي مورغان أورتاغوس، نائبة المبعوث الخاص إلى الشرق الأوسط، ومن المتوقع أن يصل أيضاً وزير الطاقة الأميركي، كريس رايت، إلى إسرائيل، نهاية الأسبوع المقبل.
ويُعدّ استمرار وجود كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية رسالةً إلى إسرائيل.
وتريد الولايات المتحدة ضمان تنفيذ الاتفاق مع «حماس»، وإرساء نظام جديد في غزة يحدد مستقبلها الأمني والإداري.
وعملياً، تحولت الولايات المتحدة إلى الجهة التي تقرر بشأن قطاع غزة وليس إسرائيل أو «حماس».

طائرات أميركية للمراقبة
وأطلق الجيش الأميركي في الأيام الأخيرة طائرات مسيّرة للمراقبة فوق قطاع غزة، «للتأكد من التزام الأطراف باتفاق وقف إطلاق النار» الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي.
وأكد مسؤولون لصحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، أن طائرات الاستطلاع المسيرة تساعد مهمة مركز التنسيق المدني العسكري الأميركي، الذي تم إنشاؤه حديثاً في جنوب إسرائيل.
وتشير مهمة المراقبة إلى أن الإدارة تريد معرفة ما يحدث في القطاع على نحو مستقل عن إسرائيل. ويتم بث تسجيلات الكاميرات مباشرة إلى مركز التنسيق المدني – العسكري الأميركي في «كريات غات» جنوب إسرائيل.
وجاء التقرير الأميركي بعد آخر في قناة «كان» قال إن الولايات المتحدة تتابع عن كثب جميع التحركات في القطاع من خلال المقر الأميركي، بل تقوم أحياناً بالموافقة أو منع بعض العمليات الميدانية لضمان استقرار اتفاق وقف إطلاق النار.
ويقلق هذا الوضع إسرائيل إلى حد كبير. وكان ثمة نقاش حاد في إسرائيل حول الرقابة الأميركية الخانقة على تل أبيب، وكيف أخذت الولايات المتحدة المبادرة في قطاع غزة، وأصبحت تقرر في الشؤون الأمنية والسياسية الإسرائيلية بشكل صارخ، ما حول إسرائيل إلى «محمية» أميركية فعلاً، إلى الحد الذي اضطر نتنياهو إلى الخروج ونفي أن إسرائيل محمية أميركية.

ورأى إيتامار آيشنر، في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أن تدويل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني الذي كان كابوساً كبيراً لإسرائيل، حدث أخيراً، في ظل وقف إطلاق النار وخطة ترمب، أمام أعيننا، في المقر في كريات غات.
وكتب آيشنر أنه على الرغم من تعيين الجيش ممثلاً في المقر، وقول نتنياهو إنه يدار بشكل مشترك، لكن كل شيء يقول إن هناك دولة واحدة فقط تدير هذا المكان، وهي الولايات المتحدة؛ إذ يوجد مسؤول واحد للموقع، وهو الأميركي ستيفن فاجن، ويوُضع علم واحد هناك وهو العلم الأميركي، ويوجد للمقر مهمة محورية واحدة: ضمان استمرار وقف إطلاق النار في قطاع غزة. ومن هناك يُنسّقون كل شيء، ويتلقون تحديثات منتظمة.
وقال آيشنر: «تُعرض على شاشة كبيرة رسائل مأخوذة من مصادر مفتوحة، ومن منصات التواصل الاجتماعي، وغيرها: متى وصلت آخر شاحنات المساعدات؟ ومتى أفادت منصات التواصل الاجتماعي من غزة بوجود نقص في الخضراوات والفواكه والأجبان وغيرها من السلع؟».
وأشار آيشنر إلى أنه وسط حظيرة الطائرات الكبيرة عُلِّقت لافِتَتان تُظهران خطة ترمب ذات العشرين نقطة. وأضاف: «يمكن التقدير أنه بفضل الحراسة اللصيقة للأميركيين، الذين يراقبون دقيقة بدقيقة (حرفياً) ما يحدث في قطاع غزة، لن يسمحوا لإسرائيل باستئناف إطلاق النار بهذه السرعة، حتى في ظل الانتهاكات المتواصلة لـ(حماس) التي لا تزال تحتجز 13 رهينة في القطاع».

وتسيطر إسرائيل على 57 في المائة من القطاع، و«حماس» على 43 في المائة.
خطوط عدة في القطاع
وقالت «يديعوت أحرونوت» إن منطقة «حماس» الواقعة غرب «الخط الأصفر» الذي انسحب إليه الجيش الإسرائيلي، معروفة أميركياً باسم «المنطقة الحمراء». ووفقاً للقواعد التي وضعها الأميركيون، يُحظر على الجيش الإسرائيلي شنّ عمليات هجومية مكثفة في هذه المنطقة. ولا يُسمح للجنود بإطلاق النار إلا دفاعاً عن النفس إذا تعرضوا لهجوم من المنطقة. والجيش مُلزم، من خلال آلية التنسيق والإشراف، بإخطار الأميركيين، وطلب الإذن منهم، لأي «عملية هجومية استثنائية» في المنطقة.
أما المنطقة التي يسيطر عليها الجيش شرق «الخط الأصفر» (وكذلك في قطاعات ضيقة شماله وجنوبه) فيُطلق عليها الأميركيون اسم «المنطقة الخضراء». ويعيش فيها حالياً نحو 200 ألف غزاوي فقط، معظمهم من أفراد العشائر والجماعات المسلحة (بما في ذلك العصابات) المعارضة لـ«حماس».
وفي هذه المنطقة، يُنفّذ الجيش الإسرائيلي، حتى خلال وقف إطلاق النار، عملياتٍ مُتسارعة لكشف وتدمير الأنفاق والبنى التحتية الأخرى.
وبحسب تحليل أجرته هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، فإن الجيش الإسرائيلي يمارس سيطرته على مساحة أكبر من غزة مقارنة بما كان متوقعاً بعد اتفاق وقف إطلاق النار مع «حماس».
وقالت الهيئة إن مقاطع فيديو وصور أقمار اصطناعية أظهرت أن العلامات التي وضعتها القوات الإسرائيلية في منطقتين لتحديد الخط الفاصل كانت موجودة على عمق مئات الأمتار داخل القطاع مقارنة بخط الانسحاب المتوقع.
رغم ذلك، لم تكن هذه المسألة محل خلاف، ويضبط الأميركيون المسألة، ويصرون على دفع الاتفاق قدماً.
وكتب رون بن يشاي في «يديعوت أحرونوت» قائلاً: «القدس وواشنطن على يقين تام بأن المرحلة (أ) من خطة ترمب ستُنفذ بالكامل، ولكن بوتيرة أبطأ من المقرر. لكن ماذا سيحدث في المرحلة (ب) من الخطة؟ وهل يُمكن تنفيذها أصلاً؟ هذا هو المجهول الكبير الذي يُقلق الجميع، وخاصةً البيت الأبيض».

