«هدنة غزة»: هل تحيي «خسائر الزيتون» مسار المفاوضات؟
أثارت خسائر عملية مباغتة قامت بها عناصر من «القسام» ضد قوات إسرائيلية تتمركز ما بين حيي الزيتون والصبرة جنوب مدينة غزة، تساؤلات بشأن تأثيراتها على مسار المفاوضات المتعثرة.
تلك العملية التي أسفرت بشكل أولي عن مقتل جندي وإصابة 11، وفق وسائل إعلام إسرائيلية، وعدم تأكيد عبري رسمي، لا تحمل تأثيرات كبيرة على مسار المفاوضات المتعثرة، بحسب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، مؤكدين أن الأولوية لدى حكومة بنيامين نتنياهو الاستمرار في التصعيد العسكري مهما كانت الخسائر، وذلك بدعم من الرئيس الأميركي دونالد ترمب.
وغداة إعلان الجيش الإسرائيلي مدينة غزة «منطقة قتال خطيرة» قام عناصر من «القسام»، فجر السبت، بتنفيذ هجوم مباغت ضد قوات إسرائيلية تتمركز ما بين حيي الزيتون والصبرة جنوب المدينة التي تعتبرها آخر معاقل حركة «حماس»، ما أسفر بحسب وسائل إعلام عبرية عن مقتل جندي وإصابة 11 آخرين بينهم 3 بحالة خطيرة، وسط تكتم من «حماس» والجيش الإسرائيلي على الحصيلة النهائية.
وجاءت تلك الهجمات بعد ساعات قليلة من تحذير «حماس»، مساء الجمعة، من أن الرهائن الإسرائيليين سيواجهون الأخطار نفسها التي يواجهها مقاتلوها في مناطق القتال في مدينة غزة.
وقال المتحدث باسم «القسام»، الجناح المسلح لحركة «حماس»، أبو عبيدة عبر قناته على «تلغرام»: «سنحافظ على أسرى العدو بقدر استطاعتنا، وسيكونون مع مجاهدينا في أماكن القتال والمواجهة في ذات ظروف المخاطرة والمعيشة، وسنعلن عن كل أسير يقتل بفعل العدوان باسمه وصورته وإثبات لمقتله».
بالمقابل، هناك تقليل إسرائيلي من حجم الخسائر المحتملة، وقال يوسي كوبرفاسر، رئيس شعبة الأبحاث سابقاً في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية إن «إسرائيل ستحتل غزة حتى لو كلف ذلك حياة بعض المختطفين»، وفق ما نقلته «آي نيوز 24» العبرية، مساء الجمعة.
وحين سئل أنه في حال أدت العملية لقتل مختطفين في غزة هل ستعيد إسرائيل التفكير بمبدأ المفاوضات تحت النار، قال إنه لا يعتقد «أن إسرائيل ستعيد تفكيرها، إسرائيل لن تتنازل عن استمرار الحرب حتى خلال المفاوضات، حتى نصل إلى اتفاق يشمل جميع المختطفين ونزع سلاح (حماس)».
وندّدت رئيسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ميريانا سبولياريتش، في بيان السبت، بخطط إسرائيل لإخلاء مدينة غزة من سكانها تمهيداً للسيطرة العسكرية عليها، مؤكدة أنه من المستحيل تنفيذ عملية إجلاء جماعية بصورة آمنة، وذلك غداة تنديد وزراء خارجية آيسلندا وآيرلندا ولوكسمبورغ والنرويج وسلوفينيا وإسبانيا في بيان مشترك بتلك العملية، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية.
ومؤكداً استمرار التصعيد بغزة، أفاد موقع «أكسيوس» الأميركي، الخميس، بأن وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر، أخبر الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ورئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، وجاريد كوشنر، صهر ترمب ومستشاره السابق في فترة رئاسته الأولى، بأن بلاده لا تسعى لاحتلال غزة طويلاً.
وجاء تأكيد ديرمر خلال اجتماع بالبيت الأبيض ترأسه ترمب، الأربعاء، وعرض خطة إسرائيل «العملياتية لاحتلال مدينة غزة، وزيادة المساعدات الإنسانية خلال العملية»، وأظهر الاجتماع أن المسألة الرئيسية لا تزال تتعلق بمن سيسيطر على قطاع غزة بدلاً من «حماس»، بحسب «أكسيوس».
ويعتقد الخبير الاستراتيجي والعسكري، اللواء سمير فرج، أن تلك العمليات لن تؤثر على مسار المفاوضات في ظل هدف نتنياهو ألا يوقف التصعيد العسكري تعزيزاً لمصالحه الشخصية والسياسية ويساعده في ذلك عدم ممانعة ترمب.
وأوضح أن وقف القتال والذهاب لنهاية الحرب تعني لرئيس وزراء إسرائيل نهاية حكومته ومحاكمته على تهم الفساد ونهايته السياسية، مؤكداً أنه لا يهمه ورقة الرهائن التي في يد «حماس» أو فقد مزيد من الرهائن أو جميعهم.
ونبه المحلل السياسي الفلسطيني، نهرو جمهور، إلى أن نتنياهو لم يلتفت لتحذير سابق للمستوى العسكري من أن أي عملية عسكرية ستعني مزيداً من الخسائر، لافتاً إلى أن رئيس وزراء إسرائيل سيواصل التصعيد دون أن يعود للمحادثات بشكل حقيقي.
ولفت إلى أن نتنياهو يصر على جعل ورقة الرهائن ورقة ثانوية في الحرب وهناك اتساع لهذه الرؤية داخل إسرائيل، وبالتالي لن تكون هناك أولوية لديه إلا التصعيد العسكري.
ووسط التصعيد العسكري، تحدث الرئيس الإسرائيلي يتسحاق هرتسوغ، مساء الجمعة مع «آي نيوز 24»، مؤكداً التمسك بصفقة شاملة، وقائلاً إن «(حماس) لا تريد تقديم التنازلات اللازمة لذلك الآن».
وتلك التصريحات جاءت غداة تأكيد رئيس وزراء قطر، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، ووزير خارجية مصر، بدر عبد العاطي، أن «الجانب الإسرائيلي لم يقدم أي رد رسمي على مقترح الهدنة (الجزئية التي تصل إلى 60 يوماً) حتى الآن»، مؤكدين أن «استمرار العدوان الإسرائيلي وتوسع نطاق العمليات العسكرية في غزة (…) سيؤديان إلى تعقيد الأوضاع وإضعاف فرص التوصل إلى سلام عادل وشامل».
وبحسب ما أوردته قناة «كان» الإسرائيلية، مؤخراً فإنه من المقرر أن يعقد المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية الكابينت اجتماعاً، غداً لمناقشة تطورات الحرب على غزة ومسار المفاوضات.
وفي ظل هذا المشهد، رجح اللواء فرج أن نتنياهو سوف يستمر في القتال إلا إذا أمر ترمب بعودته للمفاوضات، سيفعل ويقبل تنفيذ هدنة.
ويتوقع نهرو جمهور استمرار إسرائيل في جدول حرب مزدحم بالتصعيد والتدمير والتهجير، دون أن ترى أولوية للذهاب لمفاوضات سواء جزئية أو شاملة حالياً، خاصة أن ترمب يدعم مسار تصعيدها وتجاهل الحلول التفاوضية مؤخراً ولم يدعم المقترح المصري القطري الذي قدّم قبل أسبوعين لتهدئة جزئية.