
حسين زلغوط
خاص_ موقع “رأي سياسي”:

في تطور لافت على الساحة الدولية، تتوالى الاعترافات الرسمية بدولة فلسطين من عدد متزايد من الدول، والتي كان آخرها اعتراف كل من بريطانيا وكندا وأستراليا والبرتغال، وهي خطوة تشكل دعماً قوياً لحقوق الشعب الفلسطيني وإقامة دولته، كما تسهم في دفع عملية السلام في المنطقة، وتدعم الجهود في الوصول إلى حل الدولتين، كما انها تعكس تحوّلًا متسارعًا في الرأي العام العالمي والمؤسسات السياسية حيال القضية الفلسطينية.
هذه الاعترافات لم تأتِ بمعزل عن سياقات سياسية وإنسانية متشابكة، بل جاءت في وقت بالغ الحساسية، يشهد تصعيدًا غير مسبوق في قطاع غزة، واستمرارًا لسياسات الاحتلال، ما أعاد الزخم للقضية الفلسطينية بعد سنوات من التهميش والتراجع على الأجندة الدولية.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو ما مدى الأثر الحقيقي لهذا الزخم الدبلوماسي؟ وهل تمثل هذه الاعترافات مجرد مكاسب رمزية، أم أنها تحمل في طيّاتها إمكانية تغيير قواعد اللعبة سياسيًا وقانونيًا؟
لطالما سعت القيادة الفلسطينية إلى نيل اعتراف أوسع بدولة فلسطين على حدود 1967، كمدخل لترسيخ حل الدولتين وكسب شرعية سياسية دولية، لكن ما يميز الاعترافات الأخيرة، أنها صدرت عن دول ذات ثقل سياسي واقتصادي في المحافل الدولية، إلى جانب دعم شعبي متنامٍ في الولايات المتحدة وعدد من دول أمريكا الجنوبية.
هذا التحول يشير إلى تآكل الرواية الإسرائيلية التقليدية في أوساط الرأي العام الدولي، ويعكس نجاحًا نسبيًا للدبلوماسية الفلسطينية في توظيف الأدوات القانونية والحقوقية، لا سيما مع تصاعد حملات التضامن العالمية.
التساؤل الجوهري المطروح هو: لماذا تتوالى هذه الاعترافات الآن؟
الجواب يتقاطع مع عدة عوامل منها: المجازر في غزة، حيث أن العدوان الإسرائيلي المتواصل، وما خلفه من آلاف الضحايا والدمار الشامل، شكّل نقطة تحول أخلاقية وإنسانية لدى كثير من الدول والمجتمعات، ما أجبر حكوماتها على اتخاذ مواقف أكثر حسمًا، كما أن تصاعد دور الرأي العام، ووسائل الإعلام المستقلة، بات من الصعب على الحكومات الغربية تبرير دعمها المطلق لإسرائيل أمام شعوبها.
ورغم أن الاعترافات لا تؤدي تلقائيًا إلى قيام الدولة الفلسطينية على الأرض، إلا أن لها آثارًا متعددة الأبعاد حيث انها تعزز موقف فلسطين في المحافل الدولية، وتقوي الملف الفلسطيني في أي مفاوضات مستقبلية، وتُعد بمثابة نزع لشرعية الاحتلال، وتُحوّل الصراع من نزاع حدودي إلى قضية حقوق وطنية لشعب تحت الاحتلال.
كل ذلك لا ينفي أن موازين القوى العالمية لا تزال تميل لصالح إسرائيل، بدعم غير محدود من الولايات المتحدة، ما يجعل التحرك الفلسطيني بحاجة إلى مزيد من الضغط الشعبي والدبلوماسي المتواصل.
ما من شك أن استثمار هذا الزخم الدولي يتطلب إنهاء الانقسام الفلسطيني وتوحيد الجبهة الداخلية خلف مشروع وطني واضح، وتنشيط الدبلوماسية العربية لتشكيل تكتل إقليمي يضغط من أجل إنهاء الاحتلال، كما انه يتطلب التحرك على مستوى المجتمع المدني العالمي لتوسيع دوائر الدعم في الجامعات والبرلمانات والمؤسسات الحقوقية.
وفي اعتقاد مصادر سياسية في لبنان أن ما يحدث اليوم ليس مجرد موجة تعاطف أو دعم رمزي، بل هو تحوّل نوعي في الوعي العالمي تجاه عدالة القضية الفلسطينية، وقد يحمل في طيّاته فرصة تاريخية لإعادة تعريف موازين الخطاب السياسي الدولي.
لكن هذه الفرصة، كالعادة، لا تتحول إلى إنجاز حقيقي إلا إذا اقترنت بإرادة فلسطينية موحّدة، واستراتيجية شاملة تحوّل الاعتراف السياسي إلى مكاسب ملموسة على الأرض.