تدفُّق المسؤولين الأميركيين، المبعوث ستيف ويتكوف والصهر المستشار، جاريد كوشنر، الاثنين، ونائب الرئيس، جي دي فانس، الثلاثاء، على المنطقة ينبع كما يظهر من الرغبة في إعطاء فرصة حقيقية لخطة الرئيس دونالد ترمب لإنهاء الحرب وفتح آفاق سياسية، ومن الشعور القوي بأن الطرفين: حكومة إسرائيل بقيادة بنيامين نتنياهو، وقادة «حماس»، غير معنيين أو لا يملكان الجرأة على إنجاح المرحلة الأولى والانتقال إلى المرحلة الثانية، أو ما يُعرف بـ«اليوم التالي» في قطاع غزة.
وبحسب مصادر سياسية في تل أبيب، فإن الوقائع على الأرض لا تبشر بالخير؛ فـ«حماس»، التي وافقت الولايات المتحدة وإسرائيل على أن تبقى في القطاع لـ«مرحلة انتقالية»، تستغل هذه الموافقة لتصفية حساباتها الداخلية. فتنشر قواتها (7 آلاف عنصر مسلح على الأقل)، في مختلف أنحاء القطاع، وتبطش بالخصوم من «فتح» ومن العشائر، وتنتقم من الناس العاديين الذين تجرؤوا على نقدها (أحد المواطنين ظهر على الشاشات وهو يقول إن عهد «حماس» انتهى، فأمسكوا به، وحطموا ساقيه بالضرب بالعصي، وأجبروه على قول: «حماس باقية. حماس لم تنته»)، ونفذت إعدامات جماعية، وعادت لفرض ضرائب كبيرة على التجار. وعندما اتهمها خصومها بإبرام صفقة مع إسرائيل على إشاعة الفوضى، بادرت إلى عمليات مقاومة تسببت في مقتل ضابط وجندي، وإصابة 10 جنود إسرائيليين.
وإسرائيل لم توقف غاراتها. واستغلت كل عملية موجهة ضدها لتصعيد حربي انتقامي شديد. ومقابل مقتل جندي، الأحد، قتلت 45 فلسطينياً، ليصبح عدد القتلى الفلسطينيين أكثر من 120 منذ إعلان وقف النار. ونفذت غارات طيلة 8 ساعات على 120 هدفاً، وأوقفت دخول المساعدات، ومنعت فتح معبر رفح.
حتى قبل التدهور الأخير، قرر ويتكوف وكوشنر ودي فانس الحضور إلى المنطقة، لغرض ضمان انطلاق المفاوضات على اليوم التالي. لكن التدهور الجديد جعل مهمتهم أكثر إلحاحاً. وقبل أن يصلوا إلى إسرائيل طالبوها بوقف النار، والعودة إلى بنود الاتفاق. ووافقت إسرائيل، لكن الهدوء لم يسد. وبقيت تنفذ هنا وهناك عمليات خرق. والأميركيون سيطالبون بإيجاد آلية مراقبة ولجم، لمنع التدهور، وتنفيذ الاتفاق.
والأميركيون لا يهتمون بالسؤال الذي يُسأل الآن كثيراً في الشرق الأوسط، عما إذا كانت هناك رغبة حقيقية لدى نتنياهو من جهة و«حماس» من الجهة الأخرى لتطبيق خطة ترمب؛ فهم يعرفون أن هذه هي رغبة رئيسهم، ولا يهم شيء آخر سواها. وفي الوقت نفسه، وضعوا آلية يعتقدون أنها ناجعة لإغراء الطرفين على المضي قدماً في تطبيقها، فمنحوا «حماس» الشعور بأنها لن تنقرض، ومنحوا إسرائيل الشعور بأنها تنتصر؛ لأن أحداً لن يجرؤ بعد هذه الحرب على القيام بهجوم شبيه بما حصل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، لكنها تجد أن الطرفين يبالغان في استغلال هذه الفرصة، وينبغي لجمهما.
في هذه الأثناء، يواجه الطرفان انتقادات واسعة على تصرفاتهما في جبهتيهما الداخليتين، تصعب عليهما مهمة الاستمرار في الالتزام. ففي الساحة الفلسطينية يسود غضب عارم من «حماس» والقوى المتعقلة تحذر من خطر تدهور الأمور لتصل إلى حرب أهلية؛ فجميع الناس في قطاع غزة مسلحون، ويتهمونها بخدمة الأهداف الإسرائيلية، ويؤكدون أن نتنياهو، عندما وافق على القرار الأميركي بإبقاء «حماس» مسيطرة على قطاع غزة في المرحلة الانتقالية، فعل ذلك ليس فقط رضوخاً، بل لأسباب خبيثة؛ فهو يعرف أن «حماس» ستستغل الوضع للانتقام، وتشيع الفوضى بذلك، وسيقدم الدليل على الاتهام الإسرائيلي بأن الفلسطينيين لم ينضجوا بعد لإقامة دولة.
وفي إسرائيل يسود شعور بأن نتنياهو يجعل من إسرائيل «دولة دمى»، القرارات بشأنها وحول مصيرها تؤخذ في واشنطن. وقد خرج الجنرال غادي آيزنكوت، رئيس «حزب الاستقامة»، بتحذير، قال فيه إنه من غير السليم أن توافق إسرائيل على تدويل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وتمتلئ الصحف الإسرائيلية بالمقالات التي تتهم نتنياهو ببيع استقلال إسرائيل، والقبول بمواقف كانت تتعنت في رفضها. وقد كتب آفي دبوش، رئيس «حزب التعايش» مقالاً في صحيفة «هآرتس»، قال فيه إن «المصلحة المشتركة بين حكومة اليمين المطلق وبين (حماس) هي تخريب الاتفاق، والعودة إلى الوضع الراهن، الذي يتمثل في وجود (حماس) في غزة والحرب الخالدة من جانبنا».
وكتب بن كسبيت في «معاريف»: «لقد انتهت، وهناك عملية تدويل للصراع، بموافقة إسرائيلية. طوال عقود، حاربنا بأجسادنا دخول قوات دولية إلى هنا للحفاظ على أمننا. الآن، وافق نتنياهو على دخول القوات».