
تتجه الأنظار في لبنان إلى زيارة مرتقبة لوفد رفيع من صندوق النقد الدولي إلى بيروت في الثاني والعشرين من أيلول الجاري، في جولة جديدة من المفاوضات التي طال انتظار ثمارها، وسط أزمة مالية واقتصادية غير مسبوقة. وتكتسب الزيارة أهمية استثنائية، كونها تأتي في مرحلة دقيقة محليًا ودوليًا، مع بطء الإصلاحات داخليًا، وتزايد الضغوط الدولية للمضي قدمًا في خطة إنقاذ جدّية.
في هذا السياق تؤكد مصادر مطّلعة على أجواء التحضير للزيارة، أن وفد الصندوق سيجري سلسلة لقاءات مع مسؤولين حكوميين، وعلى رأسهم نائب رئيس الحكومة ووزير المالية، إلى جانب ممثلين عن مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف وهيئة الأسواق المالية، مع توقع مناقشة مسار الإصلاحات التي يشترطها الصندوق للتوصل إلى اتفاق نهائي بشأن برنامج تمويلي طالما اعتُبر المنفذ الأخير لإنقاذ البلاد من الانهيار الكامل.
وتأتي هذه الزيارة بعد أكثر من عامين على توصّل لبنان وصندوق النقد، في نيسان 2022، إلى اتفاق على مستوى الموظفين حول خطة أولية للحصول على دعم بقيمة 3 مليارات دولار على مدى أربع سنوات. غير أن تنفيذ الشروط المسبقة لهذا الاتفاق ظلّ معلقًا بسبب تلكؤ السلطات اللبنانية في تنفيذ الإصلاحات المطلوبة، ما أبقى البرنامج في حالة “تجميد” فعلي منذ ذلك الحين.
وعلى الرغم من التحذيرات المتكررة التي وجهها صندوق النقد، سجّل لبنان بعض التقدّم في الفترة الأخيرة، ولو بشكل محدود، أبرزها:
إقرار قانون للسرية المصرفية معدًلاً، يسمح برفع السرية عن الحسابات في حالات محددة، وهو من شروط الصندوق الأساسية لزيادة الشفافية.
واعتماد إطار مالي متوسط الأمد، يهدف إلى ترشيد الإنفاق وزيادة الإيرادات وتخفيض العجز.
لكنّ هذه الخطوات لا تزال غير كافية، وفق ما أكدته بعثة الصندوق في زيارات سابقة، مشيرة إلى “بطء وتيرة التقدم”، و”غياب خطة موحدة وشاملة للتعافي المالي”، إلى جانب “عدم الالتزام السياسي الكامل بمسار الإصلاحات الجذرية المطلوبة”.
ورغم أن الصندوق لا يزال يبدي استعدادًا لمواكبة لبنان في مسار التعافي، إلا أنه يشترط وجود إرادة سياسية جدية، وتنفيذ ملموس للإصلاحات، معتبرًا أن أي دعم خارجي لن يكون ممكنًا دون خطوات داخلية جادة.
من هنا فإن الزيارة المقبلة تشكل اختبارًا جديدًا لقدرة الدولة اللبنانية على التقاط الفرصة الأخيرة للخروج من دوامة الانهيار.