
في مشهد سياسي مأزوم، وواقع أمني متوتر، فجّرت تصريحات الموفد الأميركي توم براك الأخيرة موجة من الجدل والاستغراب، بعدما تحدّث عن “إمكانية عودة الحرب إلى لبنان”، مشكّكًا في الوقت ذاته بـ”قدرة الجيش اللبناني على الصمود أو المواجهة”، الأمر الذي أثار تساؤلات عدّة حول الخلفيات الحقيقية لهذه المواقف، وتوقيتها، وأهدافها السياسية.
جاءت تصريحات براك في مقابلة إعلامية، قال فيها إن “لبنان ليس بعيدًا عن شبح الحرب مجددًا”، معتبرًا أن “التوازن القائم هشّ للغاية، في ظل تزايد الاستقطابات الإقليمية، وانعدام القرار السيادي الداخلي”، ثم أضاف بأن “الجيش اللبناني، رغم تضحياته، يفتقر إلى الإمكانات التي تؤهّله للوقوف بوجه سيناريوهات أمنية كبرى”.
هذه العبارات، التي تحمل في ظاهرها نبرة تحذيرية، بدت للبعض وكأنها دعوة ضمنية للتشكيك بالمؤسسة العسكرية، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى تماسك داخلي، وثقة بالبنية الأمنية، لا إلى إضعافها معنويًّا أو سياسيًّا.
ولا يمكن قراءة تصريحات توم براك بمعزل عن السياق الإقليمي والدولي الحادّ الذي تمرّ به المنطقة. فالتجاذبات بين القوى السياسية، وتعدّد الاصطفافات الخارجية، جعلا من الخطاب الأمني مادة للاستثمار السياسي، وهو ما يظهر في حالة براك الذي يتبنى منذ مدّة خطابًا تصعيديًّا.
إنّ تصريح براك عن عودة الحرب ليس مجرّد تقدير شخصي أو تحذير عابر، بل يحمل بين سطوره خطابًا تهويليًّا قد يُستخدم كأداة سياسية، في ظل الحديث المتزايد عن ترتيبات أمنية إقليمية، وإعادة رسم خرائط النفوذ في الشرق الأوسط، مع انعكاسات مباشرة على لبنان.
لكنّ الأخطر في هذا السياق، أن الحديث عن الحرب من دون معطيات دقيقة، أو مسؤولية وطنية، يُسهم في زعزعة الاستقرار النفسي والمعنوي، خصوصًا في بيئة تعاني أصلًا من الانهيار الاقتصادي، والهجرة، وفقدان الأمل.
إنّ تصريحات توم براك، إن لم تكن زلّة لسان، فهي إشارة خطيرة. فلبنان اليوم لا يحتاج إلى مَن يلوّح بالحرب، بل إلى من يُجيد صناعة السلام، وتحصين الأمن، وحماية ما تبقّى من الدولة.