
في كل عام، يحمل عيد الميلاد ورأس السنة إلى لبنان مشهداً يتجاوز الطقوس والاحتفالات، ليصبح تعبيراً عميقاً عن علاقة اللبنانيين بوطنهم.
هذا العام، وعلى وقع الحديث المتكرر عن احتمالات الحرب الإسرائيلية والتصعيد الأمني، يعود آلاف اللبنانيين من الخارج متحدّين الخوف، ومؤكدين أن ارتباطهم ببلدهم أقوى من القلق وأعمق من المخاطر.
الوافدون إلى مطار بيروت لا يخفون إدراكهم لحساسية المرحلة، لكنهم يبدون إصراراً لافتاً على الحضور. بالنسبة لكثيرين منهم، لم يعد السؤال مرتبطاً بدرجة الأمان بقدر ما هو مرتبط بالحاجة النفسية والوجدانية للعودة. فالميلاد في لبنان ليس مناسبة عابرة، بل فعل انتماء وتجديد للصلة مع العائلة والمنطقة والحي والذاكرة. وفي زمن الاضطراب، تتحول العودة إلى موقف بحد ذاته، يختصر رفض الاستسلام لمنطق الخوف، فالشوارع تعكس الحركة النشطة مفارقة لافتة، الأسواق تستعيد شيئاً من نبضها، والمطاعم تمتلئ، والزينة الميلادية تلمع في أحياء تعرف جيداً معنى القلق. هذا التناقض بين المخاوف السياسية والحياة اليومية ليس جديداً على اللبنانيين، الذين اعتادوا العيش على حافة الاحتمالات. إلا أن ما يميّز هذا الموسم هو الإصرار الواضح على صناعة الفرح كخيار واعٍ، لا كحالة إنكار.
اقتصادياً، تحمل هذه العودة المؤقتة أهمية مضاعفة، فهي تضخ سيولة يحتاجها السوق بشدة، وتمنح القطاعات السياحية والتجارية فرصة لالتقاط الأنفاس. غير أن البعد الاقتصادي، على أهميته، يبقى ثانوياً أمام المعنى الرمزي. فحضور المغتربين يعيد التأكيد على أن لبنان، رغم هشاشته السياسية، لا يزال نقطة جذب عاطفية لا يمكن تعويضها.
أما سياسياً، يمكن قراءة هذه العودة كرسالة صامتة. رسالة تقول إن اللبنانيين، رغم خيباتهم المتراكمة، لم يقطعوا خيط الأمل نهائياً، هم يدركون أن المخاطر قائمة، لكنهم يرفضون أن تُختزل حياتهم بانتظار الأسوأ وفي زمن تتكاثر فيه السيناريوهات القاتمة، يختارون المجيء، الاحتفال، والتمسك بحقهم في الفرح.
هكذا، يصبح الميلاد ورأس السنة في لبنان فعلاً مقاوماً بطريقته الخاصة، حيث يواجه اللبنانيون الخوف بالحضور، والقلق بالضوء، والاحتمالات القاسية بإرادة الحياة.

