
رغم مرور ما يقارب 80 عاماً على إقراره، لا يزال قانون العمل اللبناني، الصادر عام 1946، الإطار التشريعي الأساسي الذي ينظم العلاقة بين العمال وأرباب العمل في القطاع الخاص. إلا أن هذا القانون، الذي جاء في زمن اقتصادي واجتماعي مختلف تماماً، بات اليوم عاجزاً عن مواكبة التحولات الجذرية التي طرأت على سوق العمل، ما يفرض مراجعة شاملة وملحّة لمواده.
من أبرز مشكلات قانون العمل الحالي أنه لا يشمل جميع فئات العاملين. فالعاملون في قطاعات الزراعة، الخدمة المنزلية، والاقتصاد غير المنظم، وغيرهم كثر يجدون أنفسهم خارج المظلّة القانونية. هذا الإقصاء يفاقم هشاشة أوضاع آلاف العاملين، ويكرّس التفاوت في الحقوق والواجبات بين فئات المجتمع.
ورغم تضمن القانون لبعض الحقوق الأساسية كالإجازات والحد الأدنى للأجور، إلا أن تطبيقها يظل في كثير من الأحيان شكلياً، فلا توجد آليات صارمة للمراقبة أو لمعاقبة المخالفين، فيما يشكو العديد من العمال من تعسف في الطرد، وتأخير في دفع الأجور، وغياب أي ضمان اجتماعي فعّال.
أما فيما يخص التنظيم النقابي، فيعاني القانون من قيود إدارية وأمنية تحد من حرية تأسيس النقابات والانضمام إليها، ما يضعف قدرة العمال على الدفاع عن حقوقهم.
وفي زمن يشهد فيه العالم ثورة رقمية واقتصاداً متغيراً باستمرار، لا يتضمن قانون العمل اللبناني أي إشارة إلى أنماط العمل الحديثة، مثل العمل عن بُعد أو عقود العمل المؤقتة والموسمية. كذلك، لا يوجد أي تنظيم واضح للعمل عبر المنصات الرقمية، وهو ما يترك فئة كبيرة من الشباب خارج أي حماية قانونية.
المطلوب اليوم وبكل سريع ليس مجرد ترقيع للقانون، بل مراجعة شاملة تشارك فيها النقابات، أصحاب العمل، منظمات المجتمع المدني، وخبراء القانون. يجب أن يكون الهدف من هذا التعديل وضع قانون يراعي العدالة الاجتماعية، يحمي جميع الفئات العاملة دون تمييز، ويواكب التطور الاقتصادي والتكنولوجي، وكل تأخير في تعديل قانون العمل، هو تأجيل لحق العامل اللبناني في حياة كريمة ومستقبل أكثر أمناً.