يقف لبنان على حافة مفترق حاسم بين الانزلاق إلى مواجهة شاملة مع إسرائيل وبين تثبيت مسار تفاوضي متدرّج قد يفتح الباب أمام تهدئة أوسع.
إنّ قرار لبنان الأخير بالموافقة على “تطعيم” لجنة الماكانيزم بعناصر مدنية، والذي ترافق مع دخول ألمانيا رسميًا على خط الوساطة، شكّل مؤشرًا إلى استعداد لبناني لالتقاط أنفاس المبادرة السياسية، ولو وسط ضجيج الاستهدافات في أكثر من منطقة جنوبية.
من الناحية الشكلية، يبدو إدخال المدنيين في اللجنة الميدانية خطوة تقنية، لكن في الجوهر هو تحوّل سياسي مقصود يرمي إلى فكّ احتكار البعد العسكري في إدارة الأزمة، وفتح ثغرة للتواصل الدبلوماسي غير المباشر. فالمعروف أنّ لجنة الماكانيزم تُعنى بمتابعة تطبيق القرار 1701 واتفاق الهدنة، وهي خاضعة لتوازنات دقيقة بين الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل وممثلي الدول الضامنة للاتفاق.
إنّ إضفاء الطابع المدني على بعض أعضائها يشي برغبة في استثمار هذه القناة لتبادل الرسائل وتليين المواقف بعيدًا عن الأطر العسكرية الجامدة.
ومن المعلوم أنّ برلين تمتلك سجلًا غنيًا في إدارة الملفات المعقّدة بين لبنان وإسرائيل، من عمليات تبادل الأسرى إلى إدارة قنوات تواصل أمنية غير معلنة. وعودة الدور الألماني الآن تعني أنّ المسؤولين الألمان باتوا يخشون وقوع الحرب، بما قد يطيح بجهودهم في تثبيت الهدنة ويهدّد أمن المتوسط برمّته.
ألمانيا، بتوازنها الدقيق بين التزامها بأمن إسرائيل وحساسيتها للعامل الإنساني، تبدو مؤهلة لتكون “الوسيط المقبول نسبيًا” من الطرفين، على عكس الولايات المتحدة التي فقدت قدرتها على لعب دور الضامن النزيه في نظر لبنان وحلفائه.
فالرسائل اللبنانية هي: لا نريد الحرب… لكننا لا نخافها.
في خلفية هذا الحراك، يحاول لبنان إرسال رسالة مزدوجة هي أنّه لا يسعى إلى إشعال حرب جديدة، لكنه يرفض الخضوع لمنطق الإملاءات الإسرائيلية، والقبول بالمبادرات الدبلوماسية لا يعني القبول بالإملاءات الإسرائيلية.
بهذا المعنى، يشكّل “التطعيم المدني” للجنة محاولة لتثبيت مرونة تكتيكية من دون تقديم تنازلات استراتيجية.
على الجانب الآخر، تسعى تل أبيب إلى استثمار أيّ مسعى تفاوضي لتثبيت معادلة جديدة تمنحها “أمانًا حدوديًا” أكبر وتُبعد حزب الله إلى ما وراء الليطاني تمهيدًا لسحب سلاحه. لكنّ مثل هذا الطموح يصطدم بحسابات الميدان، إذ لا مؤشرات على قبول لبناني بما يُطرح دون مقابل سياسي واضح، كوقف دائم لإطلاق النار وانسحاب تدريجي من الأراضي اللبنانية المحتلة.
في المرحلة الراهنة، يبدو أنّ لبنان وإسرائيل يسيران على حبل مشدود، كلّ طرف يستخدم لغة مزدوجة: الانفتاح على الحلول السياسية مع إبقاء اليد على الزناد. والمساعي الألمانية قد تشكّل نافذة لالتقاط الأنفاس، لكنّ أيّ خطأ في الحساب أو أيّ فعل ميداني طائش يمكن أن يبدّدها في لحظة.
في المقابل، يقرأ كثيرون هذا الانخراط الأوروبي كإشارة إلى إدراك متزايد بأنّ استمرار المواجهة في الجنوب قد يتحوّل إلى حرب إقليمية مفتوحة، وأنّ إنقاذ التوازن اللبناني ضرورة قبل أن يتهاوى الوضع الأمني في المنطقة.

