
في خضمّ ما تشهده البلاد من تحديات سياسية واقتصادية متلاحقة، يبرز صوت المؤسسة العسكرية ليؤكّد مرة أخرى على دورها المحوري في صَوْن الوطن والدفاع عن وحدته وسلامة شعبه، ولا تترك قيادته في كل مناسبة إلا وتؤكّد أن الجيش “سيحافظ على السِّلْم الأهلي مهما كَلَّف الأمر”، في رسالة واضحة تحمل في طيّاتها التزامًا وطنيًا لا رجعة فيه بحماية الاستقرار الداخلي ومنع الانزلاق نحو الفوضى أو الحرب الأهلية.
هذا الموقف الحاسم والجازم يأتي في ظلّ تصاعد الخطاب المتشنّج في بعض الأوساط السياسية، وانتشار الإشاعات والتحريض على وسائل التواصل الاجتماعي، فضلًا عن التوترات المعيشية التي تُثقل كاهل المواطن يومًا بعد يوم. وفي مثل هذه الأوقات الحرجة، يُعوّل كثيرون على الجيش بوصفه المؤسسة الوحيدة التي ما زالت تحظى بثقة عامة، وترتفع فوق الانقسامات السياسية والطائفية والمناطقية.
وتشير كل التجارب القاسية إلى أن السِّلْم الأهلي بالنسبة للجيش هو خطّ أحمر لا يمكن التهاون فيه، وأن الجيش لن يقف متفرّجًا أمام محاولات العبث بالأمن الداخلي أو جرّ البلاد إلى صراعات داخلية، سواء من خلال التحريض الطائفي، أو تسليح الشارع، أو المسّ بمؤسسات الدولة.
ورغم أن الجيش ينأى بنفسه عن التجاذبات السياسية، إلا أن ذلك لا يعني انسحابه من المشهد الوطني. بل على العكس، فإن حياده السياسي هو ما يعزّز من شرعيته كضامن للاستقرار، وقد أثبتت تجارب سابقة أن الجيش كان دائمًا صمّام أمان في لحظات الانهيار الشامل، ونجح في إعادة التوازن ومنع الانفجار.
الرسالة التي يوجّهها الجيش اليوم مزدوجة: من جهة، هي طمأنة للشعب بأن هناك من يَسهر على أمنه واستقراره، ومن جهة أخرى، هي تحذير واضح لكل من تُسوِّل له نفسه العبث بالوطن أو استخدام الفوضى لتحقيق مكاسب شخصية أو سياسية.
قد يقول قائل إن الجيش لا يملك حلولًا سحرية للأزمات في لبنان، لكنه يملك ما هو أهم في هذا التوقيت: القدرة على منع الانفجار، وحماية وحدة البلاد. وفي هذا الإطار، فإن تعهّده بالحفاظ على السِّلْم الأهلي مهما كَلّف الأمر ليس مجرد شعار، بل هو التزام يتطلب دعمًا شعبيًا، وتعاونًا سياسيًا، ووعيًا وطنيًا بأن البديل عن السِّلْم… هو الخراب.