
تعود أزمة النفايات مجددًا إلى الواجهة مع اقتراب فصل الصيف، الذي يُتوقَّع أن يكون واعدًا مع قدوم المغتربين اللبنانيين والسُّوّاح العرب والأجانب، محمّلةً الدولة والجهات المعنيّة مسؤولية التهاون والتسويف في معالجة هذا الملف.
وأحد أسباب عودة تكدّس النفايات في الشوارع هو أن الحكومات المتعاقبة لم تلتزم بتعهداتها، رغم مرور تسع سنوات على إقرار الخطة المرحلية لإدارة النفايات عام 2016.
منذ عقود، ولبنان يعاني من أزمة نفايات خانقة، تفاقمت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، لتصبح تهديدًا بيئيًا وصحيًا حقيقيًا للمواطنين، إلا أن الحلول بقيت قيد التنفيذ.
ورغم إطلاق “الاستراتيجية الوطنية للإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة”، إلا أن التنفيذ الفعلي لهذه الاستراتيجية يواجه تحديات كبيرة، منها غياب الإرادة السياسية، ونقص التمويل، والفساد الإداري. تستمر المكبّات العشوائية في استقبال النفايات، وتظل الحلول المؤقتة مثل الحرق هي السائدة في العديد من المناطق.
إن استمرار هذا الملف الكارثي يتطلّب ضرورة إجراء حوار علمي بعيدًا عن المصالح الضيّقة، لوضع خطة شاملة ومستدامة لإدارة النفايات. يشمل ذلك تعزيز ثقافة الفرز من المصدر، وتشجيع إعادة التدوير، وتطوير تقنيات حديثة لمعالجة النفايات، بعيدًا عن الحلول التقليدية التي أثبتت فشلها على مدى عقود من الزمن تمتد منذ اندلاع الحرب الأهلية في لبنان، حيث عادةً ما كانت الحلول تأتي على شكل “ترقيع” وفقًا للمصالح السياسية وتقاسم الحصص.
فأزمة النفايات في لبنان ليست مجرّد مشكلة بيئية، بل هي قضية صحية واجتماعية واقتصادية، تتطلّب تضافر الجهود بين الحكومة والمجتمع المدني والقطاع الخاص. فإذا استمرّت السياسات الحالية، فإن لبنان سيظل يدفع ثمنًا باهظًا من صحة مواطنيه وموارده البيئية، وعلى حكومة العهد الأولى أن تتنبّه إلى هذا الأمر، قبل أن تغرق الشوارع مجددًا في النفايات، بشكلٍ يؤثر على موسم الاصطياف، الذي سيكون واعدًا كما تعدنا الحكومة بأنه سيجلب المليارات إلى البلد.