ضربة إسرائيلية مفاجئة لإيران، جاءت بعد أيام من حديث واشنطن عن أن طهران جزء من مفاوضات قطاع غزة، والتي كانت تشهد محادثاتها تسريبات إعلامية إسرائيلية عن «فرصة لتقدم حقيقي» وتأكيد مصادر في «حماس» تسلمها «أفكاراً» بشأن الهدنة.
تلك التطورات الجديدة، تلقي بـ«ظلال صعبة» على مسار الهدنة، بحسب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، إذ إن الأقرب أن تتعثر تلك المحادثات عاجلاً أو آجلاً، خصوصاً أن إسرائيل ستشدد مطالبها بوصفها تحقق انتصارات في المنطقة، وكذلك «حماس» ستتمسك بإبرام صفقة شاملة مرة واحدة، ولن تنجر لاتفاقات جزئية قد تفقدها ورقة الرهائن الأهم لديها حالياً في ظل عدم وجود ضمانات حقيقية لوقف الحرب بغزة مستقبلاً.
وشنّت إسرائيل، الجمعة، هجوماً في إطار عملية سمتها «الأسد الصاعد»، بهدف ضرب البرنامج النووي والعسكري في أنحاء متفرقة من إيران، وأسفرت عن مقتل قادة كبار في القوات المسلحة الإيرانية، بحسب بيانات للجيش الإسرائيلي، ذكرت لاحقاً بدء اعتراض طائرات مسيّرة عن بُعد أُطلِقت من إيران، بينما نفت وسائل إعلام إيرانية الأمر نقلاً عن مسؤولين.
وأشاد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو بضربة جيش بلاده في إيران، وقال في رسالة مصوّرة: «لقد نفذنا ضربة افتتاحية ناجحة للغاية، وسنحقق المزيد، وستستمر هذه العملية لأيام للقضاء على هذا التهديد»، بينما عدته حركة «حماس» في بيان «عدواناً غاشماً يشكل تصعيداً خطيراً يُنذر بانفجار المنطقة، ويعكس إصرار حكومته المتطرفة على جرّ الإقليم إلى مواجهات مفتوحة».
وجاءت تلك التطورات غداة حديث مصادر في وفد «حماس» المفاوض بقطر خلال تصريحات صحافية عن أنه «تم تداول عدد من الأفكار الأيام الماضية مع الوسطاء بشأن اتفاق وقف إطلاق النار»، وموافقة الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة بوقف فوري وغير مشروط ودائم لإطلاق النار في الحرب الدائرة في قطاع غزة، ومحادثات وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، مع المبعوث الأميركي للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، بشأن «المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران بشأن البرنامج النووي الإيراني وجهود الوسطاء من أجل سرعة التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في غزة» وفق ما ذكره بيان صحافي لـ«الخارجية المصرية»، الخميس.
كما جاءت الضربة الإسرائيلية بعد أيام من إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب، مساء الاثنين، أن «غزة الآن في خضم مفاوضات ضخمة بيننا وبين (حماس) وإسرائيل، وإيران مشاركة بالفعل، وسنرى ما سيحدث مع غزة. نحن نريد استعادة الرهائن»، رغم نفي مصادر إسرائيلية وبالحركة الفلسطينية لتلك الأنباء.
وانهارت الهدنة الثانية في 18 مارس (آذار) الماضي بعد شهرَيْن من انطلاقها، ولم تحقق مفاوضات مباشرة بين «حماس» وواشنطن في الدوحة مطلع الشهر الحالي أي اختراق.
أستاذ العلوم السياسية في مصر، الدكتور أحمد يوسف أحمد، يرى أن مشهد التصعيد الإسرائيلي وما سيتبعه من ردود فعل إيرانية، لا يخدم مسار وقف إطلاق النار في غزة، سواء بالتجميد أو التعجيل به، «وسبق أن شهدنا ضربات مماثلة في إيران ولبنان منذ حرب غزة، ولم تكن ذات تأثير مباشر على مفاوضات الهدنة».
ويعتقد أن نتنياهو بعد هذه الضربة ستزداد شعبيته داخلياً، ويتجاوز الضغوط الداخلية ضده، لافتاً إلى أن «حماس» في ظل هذا التصعيد لن تقبل على اتفاق جزئي، وستكون متمسكة أكثر بصفقة شاملة مرة واحدة، وهذا سيُرفض إسرائيلياً، وبالتالي لا مجال لتقدم حقيقي وبقاء الأمور كما هي.
ويرى المحلل السياسي الفلسطيني، نزار نزال، أن «(حماس) ليست في موقف قوي حالياً، وإذا تفاقمت الأمور أكثر بين إيران وإسرائيل سيكون هناك تخفيف في العمليات بالقطاع، لكن لن تؤثر إيجابياً في محادثات الهدنة»، متوقعاً أن «تزداد الحركة الفلسطينية في تمسكها بالصفقة الشاملة وعدم القبول بتجريدها من أقوى ورقة لديها وهي ورقة الرهائن، ويزداد نتنياهو غروراً وتصعيداً».
ردود الوسطاء شهدت انحيازاً من جانب أميركا لإسرائيل وعدم الحديث عن الوضع بغزة، وتحذير الوسيطين المصري والقطري من توسيع الصراع في المنطقة.
ووصف ترمب الهجوم الإسرائيلي على إيران بـ«الممتاز»، قائلًا إن مزيداً من الهجمات قادم، وفق ما أفادت بها «ABC News» الأميركية، بينما حذر طهران في منشور على منصته، «تروث سوشيال»: بأن الأمر «سيزداد الأمر سوءاً إن لم يتم الاتفاق النووي».
بينما رأت مصر أن هذا الهجوم «سيؤدي إلى مزيد من إشعال فتيل الأزمة، ويقود إلى صراع أوسع في الإقليم»، وعدته قطر «يعرقل الجهود الرامية إلى خفض التصعيد»، وفق بيانيين لـ«الخارجية» بكل البلدين الوسيطين في مفاوضات غزة.
وجرى اتصال هاتفي بين وزير الخارجية المصري، ورئيس الوزراء وزير خارجية قطر، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني تناول التصعيد بإيران وتطورات الجهود التي تبذلها مصر وقطر والولايات المتحدة للتوصل لوقف إطلاق النار في غزة، وإطلاق سراح الرهائن والأسرى، بحسب بيان لـ«الخارجية المصرية».
ويرى أحمد يوسف أحمد أن الموقف الأميركي ليس جديداً في انحيازاته لإسرائيل، ومهما تعددت المواقف الرافضة لذلك المنحنى التصعيدي، فإن محادثات الهدنة سترتبط بصمود المقاومة، واستمرار عمليات الاستنزاف، وتراجع الموقف الإسرائيلي، ونتائج تلك الأمور لن تتضح إلا بعد وقف الضربات المتبادلة بين إسرائيل وإيران.
ويعتقد نزار نزال أن الموقف الأميركي الذي يعد داعماً لإسرائيل حتى النخاع، يبرز أن هناك فجوة كبيرة بين أحاديث وقف التصعيد والواقع، وأن ثمة تصعيداً سيتواصل وأنه لا أفق نحو التوصل لاتفاق بغزة أو تهدئة قريبة بالمنطقة.