
كتب يونس السيد, في الخليج:
بعد شهور طويلة من النقاشات المتعثرة، بدأ الاتحاد الأوروبي، وللمرة الأولى في تاريخه، التلويح بفرض عقوبات على إسرائيل على خلفية حرب الإبادة والوضع الإنساني الكارثي، وانتهاكات أبسط أشكال حقوق الإنسان في قطاع غزة، والإمعان في إجراءات ضم الضفة الغربية المحتلة.
هذه الخطوة التي جاءت على شكل مقترح من المفوضية الأوروبية أيده رئيس المجلس الأوروبي، استهدفت تعليقاً جزئياً لاتفاقية الشراكة، وتضمنت فرض رسوم جمركية على الصادرات الإسرائيلية بقيمة 6 مليارات يورو، وهو رقم يطال نحو 37% من إجمالي الصادرات الإسرائيلية، إلى جانب فرض عقوبات على رموز اليمين المتطرف أمثال سموتريتش وبن غفير ومستوطنين آخرين. بيد أن هذا المقترح يصطدم بعقبات سياسية معقدة، بسبب الانقسام الأوروبي، حيث يتطلب تنفيذه موافقة الدول التي تمثل 65% من تعداد سكان الاتحاد الأوروبي، خصوصاً أن دولاً مثل ألمانيا وإيطاليا وهنغاريا وجمهورية التشيك، تعارض مثل هذه العقوبات وهي تتمتع بثقل ديموغرافي يحول على الأغلب دون تنفيذها.
وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن أكثر من 30 % من الصادرات الإسرائيلية تذهب إلى أوروبا وحدها، وهي لا تقارن بصادراتها للولايات المتحدة، يمكن فهم حجم الغضب الإسرائيلي والتهديدات التي أطلقتها تل أبيب بالقيام بما سمته «رداً مناسباً» على الدول التي تفرض عليها عقوبات، خصوصاً أن غياب الإجماع الأوروبي قد يدفع دولاً في الاتحاد إلى فرض عقوبات بشكل منفرد.
المسألة الأهم هي أن هذه الخطوة جاءت تحت ضغط الشارع الأوروبي والانتقادات الحادة للاتحاد ومؤسساته الرسمية التي بدت ضعيفة ومنقسمة ومفككة، وفي ظل الحراك المتصاعد للنخب الأوروبية السياسية والاجتماعية والثقافية والفنية، التي تقدمت مواقفها كثيراً على مواقف الحكومات والدول الأعضاء. إذ إن ما نراه من فعاليات واسعة ومتنوعة وتظاهرات حاشدة في شوارع العواصم والمدن الأوروبية، يعبر عن تحول جوهري في مواقف الشعوب الأوروبية التي انتفضت على السردية الإسرائيلية بعدما هيمنت على القارة العجوز لعقود طويلة.
وبالتالي لم يعد بإمكان الهيئات الرسمية للاتحاد تجاهل هذا الحراك الذي يتصاعد يوماً بعد يوم، خصوصاً أنه يترافق مع إمعان إسرائيلي في الإبادة بفضل الحماية الأمريكية لها في تجاهل للنداءات الدولية لوقف الانتهاكات الإسرائيلية المروعة والمذبحة الدائرة بحق المدنيين في غزة والتي لم يعد يتحملها أي عقل بشري.
ربما هذا ما أرادت التعبير عنه وزيرة خارجية الاتحاد كايا كالاس بالقول: «إذا كنّا جميعاً نتفق على أن الوضع الإنساني في غزة مروّع وكارثي، فالسؤال المنطقي هو: ما العمل؟ إذا لم تدعموا هذه الحزمة، فاقترحوا بدائل. لا يمكننا الاستمرار في إدانة لفظية من دون أدوات تنفيذية». وهو ما يعني أنه لم يعد بوسع الاتحاد الأوروبي التماهي مع المواقف الأمريكية الداعمة بشكل مطلق لإسرائيل أمام شعوب القارة التي باتت تطالب بما هو أكثر من عقوبات تجارية لا تزال تحمل بعداً رمزياً أكثر منه تغييراً جوهرياً في مواقف الاتحاد.