رفضت أوكرانيا ودول أوروبية خطة وقف إطلاق النار التي طرحها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، السبت، مقدمة مقترحاً جديداً يقول مسؤولون أوروبيون مطلعون على المحادثات، إنه يجب أن يشكل إطار عمل حتى تكتسب المحادثات المقبلة بين الرئيس دونالد ترمب ونظيره الروسي بألاسكا زخماً، بحسب صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية.
ورفض المقترح الأوروبي العرض الروسي الذي تضمن الموافقة على وقف إطلاق النار مقابل انسحاب أوكرانيا من مناطق في إقليم دونيتسك، بحسب الصحيفة الأميركية التي أشارت إلى أن العرض طُرح في اجتماع مع كبار المسؤولين الأميركيين ببريطانيا، السبت.
وسارعت حكومات أوروبية، من بينها بريطانيا وألمانيا وفرنسا إضافة إلى أوكرانيا، إلى صياغة رد على “مقترح السلام” الذي جاء عقب لقاء بين بوتين والمبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف في الكرملين، الأربعاء الماضي.
وبعد هذا الاجتماع، وافق ترمب على عقد قمة مع بوتين بولاية ألاسكا في 15 أغسطس، فيما قال كيريل ديميترييف، رئيس صندوق الثروة السيادي الروسي، في منشور على تليجرام، السبت، إنه “من المؤكد أن عدداً من الدول المهتمة بمواصلة الصراع ستبذل جهوداً جبارة متمثلة في استفزازات وحملات تضليل لتعطيل الاجتماع المقرر بين بوتين وترمب”.
وذكرت “وول ستريت جورنال”، أن الهدف الأوروبي هو وضع “خط أحمر” مشترك مع أوكرانيا، مشيرةً إلى أن المسؤولين الأوروبيين شددوا على ضرورة أن يطبق على أي مفاوضات محتملة مع روسيا.
وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على منصة “إكس”، إنه “لا يمكن تقرير مستقبل أوكرانيا من دون الأوكرانيين الذين يقاتلون من أجل حريتهم وأمنهم منذ أكثر من 3 سنوات حتى الآن”.
وأضاف: “سيكون للأوروبيين بالضرورة دور في الحل، لأنه يتعلق بأمنهم”.
المقترح الأوروبي
ويتضمن المقترح الأوروبي مطالب بأن يتم وقف إطلاق النار قبل اتخاذ أي خطوات أخرى، كما ينص على أن تبادل الأراضي يمكن أن يتم فقط بشكل “متكافئ”، أي إذا انسحبت أوكرانيا من بعض المناطق، فعلى روسيا الانسحاب من مناطق أخرى.
وقال أحد المفاوضين الأوروبيين: “لا يمكن أن تبدأ عملية بتسليم أراضٍ في منتصف القتال”.
ووفقاً للصحيفة الأميركية، الأمر الأهم هو أن الخطة الأوروبية، التي عُرضت على نائب الرئيس جي دي فانس ووزير الخارجية ماركو روبيو والمبعوث الخاص لأوكرانيا كيث كيلوج وويتكوف، تشترط أن أي تنازل إقليمي من جانب كييف يجب أن يكون مصحوباً بضمانات أمنية صارمة، منها احتمال حصول أوكرانيا على عضوية حلف شمال الأطلسي “الناتو”.
ووضع الخطة الأوروبية وقدمها للجانب الأميركي، كبار مساعدي القادة الأوروبيين، المعروفون باسم “الشيربا” sherpas، فيما كان فانس حاضراً في الاجتماع، بينما شارك معظم المسؤولين الأميركيين الآخرين عبر الاتصال المرئي.
وبحسب عدة مسؤولين مطلعين على المقترح الذي حمله ويتكوف من موسكو، قال بوتين، إنه سيوافق على وقف إطلاق النار مقابل تسليم أوكرانيا نحو ثلث إقليم دونيتسك الشرقي الذي ما زال تسيطر عليه كييف، كما سيتم تجميد خط الجبهة في أماكن أخرى، بما في ذلك في منطقتي زابوريجيا وخيرسون اللتين تزعم روسيا أيضاً أنهما تابعتان لها.
ولاحظ عدد من المسؤولين الأوروبيين الذين اطلعوا على نتائج اجتماع، الأربعاء، مع ويتكوف، أن بوتين لم يكرر موقفه المتشدد والذي كان يقضي بضرورة نزع سلاح أوكرانيا وتغيير حكومتها، وتسليم كامل منطقتي خيرسون وزابوريجيا، رغم أن عاصمتيهما الإقليميتين تحت السيطرة الأوكرانية.
وقد ضمت موسكو هذه المناطق الثلاث ومنطقة رابعة وهي لوجانسك، بعد استفتاءات أجرتها عام 2022.
وذكر مسؤولون أوروبيون، السبت، أنه إذا سلمت أوكرانيا كامل إقليم دونيتسك، فعلى روسيا الانسحاب من الأجزاء التي تسيطر عليها في زابوريجيا وخيرسون في الجنوب.
لا تنازل أوكراني
وفاجأت خطة بوتين الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي لم يُدع إلى اجتماع ألاسكا، كما أثارت صدمة القادة الأوروبيين.
وقال زيلينسكي، الذي أجرى سلسلة من الاتصالات مع حلفاء بلاده، في كلمة مصورة: “لن يهب الأوكرانيون أراضيهم للمحتل”، مضيفاً أن حدود أوكرانيا ثابتة في دستور البلاد.
واعتبر مسؤول أوروبي كبير للصحيفة، أن “أي اتفاق يتوصل إليه ترمب مع بوتين في ألاسكا لن تكون له قيمة كبيرة من دون مشاركة القادة الأوروبيين”.
وأعرب كبير مساعدي أحد القادة الأوروبيين، عن “أسفه من أن بوتين تمكن من تفادي العقوبات التي كان من المقرر أن يفرضها ترمب، حيث كانت ستلحق ضرراً بالغاً باقتصاد الحرب الروسي، وتقلص في نهاية المطاف قدرته على تصعيد غزوه لأوكرانيا”، في إشارة إلى مهلة ترمب لبوتين من أجل وقف إطلاق النار والتي انتهت، الجمعة.
ويرى المسؤول الأوروبي، أن “بوتين أظهر مدى ضعفه أمام الضغط الأميركي، ويجب على ترمب استغلال نفوذه”.
وخلال اجتماعهم مع فانس، شدد المسؤولون الأوروبيون، على أن مستقبل أوكرانيا لا يمكن بحثه من دون كييف، وقال أحد المسؤولين الكبار، إن “أوروبا، مهما حدث في واشنطن، ستواصل تزويد أوكرانيا بالأسلحة والأموال”.
وتخوض روسيا هجوماً منذ أكثر من عامين، حيث سيطرت خلال هذه الفترة على أقل من 1% من الأراضي الأوكرانية، معظمها في إقليم دونيتسك.
ويرى 3 مسؤولين أوروبيين من 3 دول مختلفة شاركوا في المحادثات، أن تسليم هذه الأراضي الاستراتيجية، التي يعيش فيها مئات الآلاف من الأوكرانيين، مقابل وقف إطلاق النار، سيؤدي إلى حصول بوتين على “مكسب كبير” من دون أن يقدم أي شيء في المقابل.
وجاء المقترح الأوروبي بعد أسبوع من الدبلوماسية المكثفة التي أثارتها مبادرة بوتين. فبعد ساعات من لقاء الكرملين، أطلع ترمب خلال اتصال هاتفي زيلينسكي وقادة أوروبيين على تفاصيل المقترح.
وخلال المكالمة، ذكر ترمب، أن روسيا قد تكون مستعدة للانسحاب من منطقة زابوريجيا وخيرسون مقابل السيطرة الكاملة على دونيتسك.
لكن ويتكوف تراجع عن هذا المقترح في اليوم التالي، خلال مكالمة مع كبار مساعدي القادة الأوروبيين، مشيراً إلى أن روسيا ستنسحب وستجمد خط الجبهة.
والجمعة، طالب المسؤولون الأوروبيون بعقد مكالمة ثالثة مع ويتكوف لتوضيح اللبس بشأن ما اقترحه بوتين فعلاً. وخلال تلك المكالمة، أوضح ويتكوف، أن العرض الوحيد المطروح هو انسحاب أوكرانيا من جانب واحد من دونيتسك مقابل وقف إطلاق النار، بحسب “وول ستريت جورنال”.
وبينما شارك فانس وروبيو وكيلوج في بعض المكالمات، قال مسؤول أوروبي، إن “المقترح أسوأ بكثير مما قاله ويتكوف في المكالمة”، فيما ذكر مسؤول آخر، أنه “يمنح بوتين كل ما يريده مقابل لا شيء”.
وبمجرد أن اتضح جوهر خطة الرئيس الروسي، رفضها فوراً زيلينسكي والمسؤولين الأوروبيين المشاركين في المحادثات، بحسب الصحيفة الأميركية.
