حذر مسؤولون في إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب من أن “الوقت ينفد” أمام قادة لبنان، لنزع سلاح جماعة “حزب الله”، قبل المخاطرة بخسارة الدعم المالي الأميركي والخليجي، بل وحتى تجدد العمليات العسكرية الإسرائيلية؛ وذلك قبيل اجتماع مهم لمجلس الوزراء في بيروت، الجمعة.
وأشارت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية في تقرير، الخميس، إلى أن هذا التحذير يأتي في إطار ما وصفه مسؤولون أميركيون بأنه “لحظة حاسمة” في تاريخ لبنان، حيث يدرس مجلس الوزراء اللبناني خطة لإجبار الجماعة المدعومة من إيران منذ عقود على تسليم أسلحتها.
وقالت إن الولايات المتحدة وإسرائيل ودول خليجية تضغط على الحكومة اللبنانية، “للتصرّف بشكل حاسم، وعدم الرضوخ لتهديدات (حزب الله) بإثارة العنف”.
ونقلت الصحيفة عن فراس مقصد، المدير الإداري لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في “مجموعة أوراسيا” للاستشارات ومقرها نيويورك، الذي يلتقي بانتظام مع كبار المسؤولين اللبنانيين، قوله: “هذه لحظة فرصة أساسية” للبنان.
ولفتت الصحيفة إلى أن تدخل إدارة ترمب في لبنان يحظى باهتمام أقل من جهود صنع السلام في أماكن مثل أوكرانيا وقطاع غزة؛ لكن مع تعثر تلك الجهود الأخرى، ربما يوفر لبنان فرصة أفضل لتحقيق انفراجة في هذا المجال.
ووفقاً للصحيفة، مثل هذه النتيجة تجعل لبنان أكثر استقراراً، وتمنحه فرصة لإعادة بناء اقتصاده المتعثر، إذ قالت دول في المنطقة إنها ستكافئ بيروت حال اتخاذ إجراءات حاسمة ضد “حزب الله” بمليارات الدولارات من المساعدات الاقتصادية.
ورجحت “نيويورك تايمز” أن يعود نزع سلاح “حزب الله” بالنفع على إسرائيل، التي واجهت سنوات من الهجمات عبر الحدود.
وذكرت أنه في أعقاب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في أكتوبر 2023، بدأ “حزب الله” إطلاق الصواريخ على إسرائيل، ما دفع إسرائيل إلى شن حملة عسكرية كبيرة على لبنان أدت إلى شل “حزب الله”، وسقوط المئات من عناصره واغتيال العديد من كبار مسؤوليه، بمن فيهم الأمين العام حسن نصر الله، الذي ظلّ على رأس الجماعة لفترة طويلة.
مع ذلك، جماعة “حزب الله” لا يزال لديها أسلحة ومقاتلون ونفوذ، إذ قدر تقرير صدر في فبراير الماضي، عن “مجموعة الأزمات الدولية” ومقرها بروكسل، أنه على الرغم من خسائره الفادحة على يد إسرائيل، فإن “حزب الله” ربما “تعرض لأضرار كبيرة، لكنه لم يهزم”.
“اختبار حاسم” لبيروت
ولفتت الصحيفة إلى أن الولايات المتحدة وإسرائيل ودول خليجية ضغطت على حكومة لبنان، للتحرّك في لحظة ضعف “حزب الله”، وإجباره على نزع سلاحه، وهو ما دعت إليه الأمم المتحدة لأول مرة في قرار صدر قبل نحو 20 عاماً.
والشهر الماضي، أصدرت الحكومة اللبنانية تعليمات للجيش بوضع أول خطة رسمية لنزع سلاح الحزب، وهو ما وصفه فراس مقصد بأنه “قرار بالغ الأهمية”.
وسيدرس مجلس الوزراء اللبناني خطة الجيش، الجمعة، فيما تعتبره إدارة ترمب “اختباراً حاسماً” للإرادة السياسية.
لكن مسؤولي الإدارة، الذين طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم، يساورهم قلق من أن تتراجع الحكومة اللبنانية عن مواجهة محتملة مع “حزب الله”.
وأوضح مسؤول أميركي أن عدم اتخاذ إجراءات، أو أنصاف الحلول ربما يدفع الكونجرس الأميركي إلى قطع التمويل السنوي الذي تقدمه الولايات المتحدة للجيش اللبناني، والبالغ نحو 150 مليون دولار، محذراً من أن المزيد من التأخير في بيروت ربما يكون له “تأثير عكسي”.
وفي حين لم تسع إدارة ترمب إلى تجديد هذا التمويل في طلب اعتماد الميزانية السنوية، رجح مسؤولون وخبراء أن الكونجرس ربما يكافئ خطة جادة لنزع السلاح بمبالغ كبيرة من المال للمعدات والرواتب.
وكان النائب الجمهوري عن ولاية فلوريدا جريج ستوب، قال في بيان الخريف الماضي، إن بعض أعضاء الكونجرس دعموا تشريعاً سابقاً لمنع تمويل الجيش (اللبناني)، الذي يجعله تقاعسه ضد “حزب الله” حتى الآن “متواطئاً في تمكين منظمة إرهابية مهمتها الأساسية تدمير أميركا وإسرائيل”، على حد تعبيره.
كما يخشى مسؤولون أميركيون من أن حديث “حزب الله” عن العنف ربما يثير قلق القادة اللبنانيين، ويدفعهم إلى التراجع، في ظل تهديد شبح الحرب الأهلية اللبنانية، التي دمرت البلاد خلال الفترة من عام 1975 إلى 1990.
لكن هؤلاء المسؤولين الأميركيين قالوا إن هذه المخاوف “لا مبرر لها”، مشيرين إلى أن “راعية حزب الله، إيران ضعفت بعد الهجمات الإسرائيلية هذا العام. وبعد الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، العام الماضي، قُطع طريق الإمداد التقليدي من طهران إلى حزب الله”.
جهود دبلوماسية أميركية
وذكرت الصحيفة أن السفير الأميركي لدى تركيا والمبعوث الخاص إلى سوريا توماس باراك، الذي يقود أيضاً الجهود الدبلوماسية الأميركية مع لبنان، طرح هذه القضية خلال زيارة إلى بيروت، الأسبوع الماضي.
وقال باراك: “يمكنكم إقناع (حزب الله)، في أجواء غير معادية -في رأيي- في أجواء لا تدور فيها حرب أهلية، بالانضمام إلى دولة لبنانية واحدة. هذا هو رأيي”.
لكن “الخطر الأكبر” على لبنان من التأخير أو أنصاف الحلول، كما يقول المسؤولون الأميركيون، هو أن تستنتج إسرائيل أن عليها “إنهاء المهمة”، على حد تعبير أحدهم، من خلال حملة عسكرية متجددة ربما تتسبب في أضرار وخسائر كبيرة.
ولفتت الصحيفة إلى أن إسرائيل أقامت بالفعل العديد من المواقع العسكرية في جنوب لبنان رداً على ما تقول إنه “عدم التزام حزب الله” بوقف إطلاق النار المبرم عام 2024، فيما يعتقد بعض المحللين أن إسرائيل ربما تنشئ “منطقة أمنية” خالية من السكان في جنوب البلاد، كما فعلت في منتصف الثمانينيات.
في المقابل، يشكو القادة اللبنانيون من أن إسرائيل لم تقدم التزاماً موثوقاً بالانسحاب بالتنسيق مع خطة نزع السلاح، وهذا ما يجعلهم عرضة لاتهامات سياسية بأنهم “ينفذون أوامر محتل أجنبي” من خلال العمل ضد “حزب الله”، بحسب الصحيفة.
في هذا الإطار، قال إدوارد جابرييل، رئيس فريق العمل الأميركي المعني بلبنان، إن نجاح أي خطة لا يعتمد فقط على خطة ذات مصداقية لنزع سلاح “حزب الله”، بل أيضاً على “ضمانات واضحة بانسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية”، مشدداً على أن “الوساطة الأميركية ستكون ضرورية” لتحقيق هذا التوازن.
وانضم إلى باراك، في بيروت الأسبوع الماضي، نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط مورجان أورتاجوس، وأحد مستشاري سفير أميركا لدى الأمم المتحدة مايكل والتز.
وستعود أورتاجوس إلى بيروت نهاية هذا الأسبوع، لحضور اجتماع للمسؤولين الدوليين لمراجعة وضع وقف إطلاق النار، الذي أنهى العملية العسكرية الإسرائيلية في جنوب لبنان في أواخر عام 2024.
ويقضي وقف إطلاق النار بانسحاب كل من “حزب الله” وإسرائيل من جنوب لبنان، لكن إسرائيل واصلت غاراتها الجوية المنتظمة على المنطقة.
ويشكل نهج فريق ترمب استمراراً للدبلوماسية المكثفة التي بدأت في عهد إدارة الرئيس السابق جو بايدن، العام الماضي، في نقطة نادرة من الاستمرارية بين الاثنين في ملفات السياسة الخارجية، بحسب الصحيفة.