قتلتْ إسرائيل، يوم الاثنين، فلسطينياً حاول التسلل إلى القدس عبر ثغرة في الجدار الفاصل كان منفذو هجوم القدس الذي قُتل فيه 6 إسرائيليين، الأسبوع الماضي، قد استخدموها.
وحدثت واقعة الاثنين بعدما عززت قوات الأمن هذه الثغرة وغيرها في الجدار الطويل الذي يمتد نحو 700 كيلومتر حول الضفة الغربية.
وقُتل سند حنتولي (25 عاماً)، وهو من سيلة الظهر، جنوب جنين، برصاص القوات الإسرائيلية قرب جدار الفصل في بلدة الرام شمال مدينة القدس المحتلة.
وأفادت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني بأن طواقمها تسلمت جثمان حنتولي من منطقة الضاحية داخل القدس، جراء تعرضه لإطلاق نار أثناء محاولته اجتياز الجدار.
وقالت الشرطة الإسرائيلية إن قوةً من حرس الحدود «قتلت فلسطينياً حاول دخول القدس عبر الجدار في منطقة الرام… من الثغرة نفسها التي دخل منها منفذو العملية الدامية، الأسبوع الماضي، التي قُتل فيها ستة إسرائيليين.
وهذا هو الحادث الثاني من نوعه خلال أسبوع، إذ أطلق الجيش الإسرائيلي النار على فلسطينيين في المنطقة نفسها قرب عطروت شمال القدس.
وتسلط الحادثة الجديدة الضوء على الثغرات الأمنية في الجدار الفاصل التي حاولت إسرائيل التعامل معها عدة مرات دون جدوى.
وأظهرت لقطات فيديو الأسبوع الماضي فلسطينيين يواصلون عبور الجدار الفاصل في نقاط مختلفة.
مخاوف في موسم الأعياد
ويُؤرق تسلل الفلسطينيين عبر ثغرات في الجدار المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، ويُثير بحسب صحيفة «يديعوت أحرونوت» الخوف من حدوث موجة من الهجمات المُقلّدة التي قد يشنها مهاجمون فرادى.
وقالت الصحيفة إنه رغم التوترات الأمنية، ظهرت في الأسابيع الأخيرة لقطات تُوثّق عدة حالات تسلل إلى إسرائيل، معظمها عبر تسلق الجدار الفاصل. وأشارت إلى حدوث ذلك على الرغم من تشديد أوامر إطلاق النار في هذه النقاط، بعد بدء الحرب، وتطبيق القوات إجراءات اعتقال للمشتبه بهم تنتهي بإطلاق النار حتى على من يعبثون بالجدار، ناهيك عمَّن يعبره.
وتخشى إسرائيل من هجمات محتملة مع اقتراب ذكرى السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، الذي يأتي في ذروة الاحتفالات بالأعياد اليهودية.
وقالت «يديعوت أحرونوت» إنه رغم ذلك، ورغم أحداث الأسبوع الماضي، لا تزال بعض الثغرات مفتوحة على مصراعيها. ولم يرصد فريق «واي نت» التابع للصحيفة الذي أمضى نحو ساعة بالقرب من ثغرة في السياج سوى سيارة شرطة واحدة تمر على طول الطريق.
ويُستخدم الجدار المحيط بالقدس في الأساس من قِبل الباحثين عن عمل، لكن أحياناً من قِبل مهاجمين أيضاً.
وفي الأسبوع الماضي، أعلنت الشرطة اعتقال أكثر من 11 ألف مقيم غير شرعي منذ بداية العام، لكن لوحظ أنه على الرغم من التحذيرات بشأن حالة الثغرات في السياج، لم يتم فعل أي شيء منذ أكثر من عام.
أزمة منع دخول العمال الفلسطينيين
وفي عام 2022 كان الحديث يدور على نحو 270 ثغرة تم التعامل مع جزء كبير منها، بعدما اتخذ المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغّر (الكابينت) آنذاك قراراً بإغلاق كافة ثغرات الجدار، بعد عملية نفذها الفلسطيني ضياء حمارشة بمنطقة «بني براك» في تل أبيب وقتل فيها 5 إسرائيليين.
وأرجعت «يديعوت أحرونوت» ازدياد عدد المتسليين في جانب منه إلى مزيج من الوضع الاقتصادي المتردي لسكان الضفة الغربية، والقيود المفروضة على دخول الفلسطينيين منذ 7 أكتوبر، إذ يبدي الباحثون عن العمل استعداداً أكبر للمخاطرة.
وصرح مصدر في المؤسسة الأمنية لموقع «واي نت» بأن حظر دخول العمال «يقود إلى ظاهرة المقيمين غير الشرعيين (المتسللين) ولا يوجد إشراف ومتابعة»، وأضاف: «إذا سمحوا بدخول العمال، فهذا سيساعد الجهاز على متابعتهم. ولا توجد أي رقابة أو مراقبة على المتسللين»، مؤكداً أن الموافقة على دخول العمال ستساعد النظام على تتبعهم.
وتؤيد المؤسسة الأمنية إعادة إدخال العمال الذين سحبت إسرائيل تصاريحهم مع السابع من أكتوبر، لكن الحكومة ترفض حتى الآن.
وفقد نحو 160 ألف عامل فلسطيني من الضفة الغربية مصدر دخلهم الوحيد بعدما جمدت إسرائيل تصاريح دخولهم أسوة بنحو 20 ألف عامل من قطاع غزة ألغيت تصاريحهم بالكامل.
وإذا كان منع العمال من دخول إسرائيل قد قاد إلى تدهور الاقتصاد في الضفة الغربية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن أجورهم كانت تصل إلى نحو مليار شيقل شهرياً، فإن التدهور طال إسرائيل بشكل أكبر. (الدولار يساوي 3.30 شيقل).
وقال المصدر الأمني: «من البديهي أنه لو أرادت إسرائيل سد جميع الثغرات بإحكام، لفعلت ذلك. لكنها لا تفعل، ويتدفق المقيمون غير الشرعيين عاماً بعد عام». وأضاف: «هذا مفيد للاقتصاد في إسرائيل والمدن الفلسطينية، لكنهم لا يستيقظون إلا عند وقوع هجوم إرهابي. لكن إذا أرادوا سدها، فعليهم سدها بإحكام… حتى النهاية».
الهدف… تهيئة المستوطنات
وبدأت إسرائيل ببناء الجدار الفاصل في شهر يونيو (حزيران) عام 2002، وهو جدار يفصل بين أراضي عام 1948 وأراضي عام 1967، وذلك من خلال إيجاد منطقة عازلة تمتد على طول الخط الأخضر من شمال الضفة الغربية إلى جنوبها.
وتشير أبحاث إلى أن الجدار يبلغ طوله 771 كيلومتراً، أُنجز منه أكثر من 500 كيلومتر، ويعزل ما مساحته 705 كيلومترات مربعة من الأراضي الواقعة غربه، أي نحو 12.5 في المائة من المساحة الكلية للضفة الغربية.
وقالت منظمة «بتسيلم» الإسرائيلية إن الهدف المعلن للجدار هو منع دخول الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى إسرائيل سوى بتصريح؛ ولكن خلافاً لما أُعلن، كانت الغاية من بنائه تحقيق أهداف إضافية تتمثل في «التهيئة» لمعظم المستوطنات ولضم مساحات واسعة من الأراضي المخصّصة للتوسع الاستيطاني مستقبلاً.
وبهذه الطريقة تَحوّل الجدار إلى أداة أساسيّة للضمّ السياسي تستخدمها إسرائيل للسيطرة على ما يقارب عُشر مساحة الضفة الغربية بغرض تقليل عدد السكان الفلسطينيين القاطنين في المساحة المحبوسة بين مسار الجدار والخط الأخضر، وإلحاق أضرار شاملة بالتجمّعات الفلسطينية الواقعة إلى الشرق من الجدار والتي فُصلت فعلياً عن أراضيها.
ويمر ما يقرب من 85 في المائة من مسار الجدار متلوّياً داخل الضفة الغربية، أي داخل الأراضي المحتلّة، فلا هو يطابق الخط الأخضر ولا يمرّ غربيّه داخل حدود إسرائيل. وكان ذلك جزءاً من سياسة طويلة الأمد اتّبعتها إسرائيل تستخدم من خلالها أراضي الضفة لاحتياجاتها، متجاهلة احتياجات السكّان الفلسطينيين وحقوقهم.
ومن أجل إقامة الجدار، قطعت إسرائيل التواصل الحضري والرّيفيّ الفلسطيني، وفكّكت الصلات بين التجمّعات السكّانية، التي كانت قد تشكّلت على امتداد أجيال طويلة، وفرضت بين ليلة وضحاها «نظاماً حيّزياً» متلائماً مع حدود المستوطنات ومريحاً لقوّات الأمن الإسرائيلية.
«سد» بين القدس والضفة
ووفقاً لمعطيات مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة (OCHA) أتمّت إسرائيل في سبتمبر (أيلول) 2017 بناء نحو 65 في المائة من مسار الجدار، أي ما يقارب 500 كيلومتر. وهناك نحو 53 كيلومتراً أخرى من المسار قيد البناء، وهو ما يقارب 7.5 في المائة، وهناك 200 كيلومتر إضافية لم يبدأ بناؤها بعد.
وفي القدس أنشأ الجدار «سداً» بين المدينة وبقيّة مناطق الضفة الغربية، وسرع بذلك من عملية فصل القدس الشرقية عن أراضي الضفة التي لم تُضمّ إلى المدينة.
ويصل طوله في منطقة القدس إلى 202 كيلومتر.
ويتكون الجدار من الأسمنت ومقاطع مسيجة مزودة بكاميرات مراقبة وأجهزة استشعار أخرى، ومعزول بأسلاك شائكة ومنطقة حظر بعرض 60 متراً. وفي المناطق الأكثر حضرية، بما في ذلك حول القدس وبيت لحم، تم بناء الجدار من الأسمنت ويصل ارتفاعه إلى ما بين ثمانية وتسعة أمتار.