انطلق صباح الاثنين أول قطار مصري مخصص لنقل سودانيين من القاهرة إلى أسوان (المتاخمة لشمال السودان)، من الراغبين في العودة الطوعية إلى الخرطوم، في تطور لافت لعمليات العودة التي اعتمدت الفترة الماضية على حركة «الحافلات»، وتسببت في «تعرض بعض السودانيين لمضايقات وتأخيرات».
وأعلنت هيئة السكة الحديد المصرية انطلاق القطار «رقم 1940» من «محطة رمسيس» في القاهرة صباح الاثنين، مؤكدة أن الإجراء يأتي «في إطار الدور الإنساني والمجتمعي الذي تقوم به الدولة المصرية ممثلة في وزارة النقل والهيئة القومية لسكك حديد مصر».
وازدحمت «محطة رمسيس» وسط القاهرة، منذ الساعات الأولى من صباح الاثنين، بالعائدين من كبار السن والنساء والأطفال، فضلاً عن عائلات بأكملها تحمل العديد من حقائب السفر.
وتسببت الحرب الداخلية في السودان، الدائرة منذ منتصف أبريل (نيسان) 2023 بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع»، في فرار ملايين السودانيين داخل البلاد وخارجها، بينهم نحو مليون ونصف المليون دخلوا مصر، حسب إحصاءات رسمية.
ومع هدوء الأوضاع في بعض المدن السودانية، بدأ آلاف السودانيين رحلة العودة. وقدر القنصل السوداني في أسوان، عبد القادر عبد الله، في تصريح سابق لـ«الشرق الأوسط»، عدد العائدين منذ بداية عام 2025 وحتى مطلع مايو (أيار) الماضي، بأكثر من 200 ألف شخص، وهم أضعاف من عادوا خلال العام الماضي 2024، في حين قدرت «المنظمة الدولية للهجرة» أعداد العائدين إلى السودان خلال شهر يونيو (حزيران) الماضي بـ27 ألف سوداني.
وثمّن رئيس الجالية السودانية في «مدينة العاشر من رمضان»، إبراهيم عز الدين، الخطوة المصرية لتسهيل العودة، ووصفها بأنها «لفتة بارعة للوقوف إلى جانب الأشقاء». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الخطوة تضاف إلى ما قدمته مصر للسودانيين من «استضافتهم بالترحاب، واندماجهم في المجتمع المصري مراعاة لظروف الحرب».
ولفت عز الدين إلى أهمية المبادرة المصرية لتأمين عودة السودانيين الطوعية، بعدما انتشرت حالات «احتيال ونصب من بعض السودانيين على راغبي العودة».
ورصدت «الشرق الأوسط» على «غروبات» للجاليات السودانية في مصر بمواقع التواصل الاجتماعي، شكاوى من عمليات احتيال بشأن «حافلات تحمل السودانيين إلى الخرطوم»، ونشر البعض صوراً لافتراش مئات السودانيين الأرض في محافظة الإسكندرية، بعد اختفاء منظم الرحلة، والتي كانت تضم 1000 شخص في 23 حافلة مزعومة.
وتأتي خطوة النقل بالقطارات بالتنسيق بين القاهرة و«منظومة الصناعات الدفاعية السودانية» التي أوضحت في بيان، الأحد، أن «الرحلة الأولى تنقل ألف عائد سوداني بتكاليف مجانية تتحملها كاملة (منظومة الصناعات الدفاعية السودانية)، متضمنة مصاريف النقل والرسوم ووجبات غذائية حتى وصولهم للخرطوم».
وأضافت أن «رحلات التفويج سوف تستمر للسودانيين بواقع قطار أسبوعياً، ويتم الحجز عن طريق أرقام نشرتها الجهات المسؤولة بين أوساط مجموعات السودانيين بمصر»، مثمّنة دور مصر في المبادرة بـ«تحمس وزارة النقل لها وتخصيص قطارات أسبوعية لخدمتها».
وبدأت (منظومة الصناعات الدفاعية السودانية) العمل على إعادة السودانيين طواعية لبلادهم في أبريل الماضي، ويعد تسيير القطارات مرحلتها الثانية، «تطوراً مع الارتفاع الكبير في أعداد الراغبين في العودة من مصر»، في حين أعادت مرحلتها الأولى التي اعتمدت على الحافلات «10 آلاف سوداني في 187 حافلة»، وفق بيان «المنظومة».
وبخلاف المبادرة الرسمية، تعمل العديد من المبادرات المجتمعية للهدف نفسه، أبرزها مبادرة «راجعين لي بلد الطيبين»، والتي بدأت عملها في يونيو (حزيران) الماضي، حسب مؤسسها محمد سليمان الذي أشار في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى «زيادة ملحوظة في أعداد العائدين مع تحسن الأوضاع في الخرطوم».
وقال سليمان من داخل إحدى الحافلات بمنطقة فيصل مساء الأحد، في حين كان ينتظر وصول 50 سودانياً لبدء رحلة العودة بهم بالمجان، إن «المبادرة لديها قوائم انتظار طويلة من السودانيين الراغبين في العودة».
وتشكو الحكومة المصرية من ثقل حمل الوافدين عليها، وقدرت تكلفة استضافة نحو 10 ملايين وافد أجنبي بنحو 10 مليارات دولار (الجنيه يعادل 49.2 دولار) سنوياً. وقد شهدت مصر موجات من ارتفاع أسعار الإيجارات في مناطق عدة، خصوصاً التي تمركزت بها الجالية السودانية.
ويشير مؤسس مبادرة «راجعين لي بلد الطيبين» إلى «حاجة السودان لأبنائه للمشاركة في إعادة الإعمار»، لافتاً إلى «استدعاء الحكومة السودانية موظفيها، في مؤشر على استقرار الأوضاع الأمنية وعودة الحياة لصورة شبه طبيعية».
وتعمل المبادرة بالتنسيق مع الجيش السوداني عبر إرسال كشوف بأسماء مستقلي كل حافلة تمهيداً لدخولهم إلى السودان.
وأشار سليمان إلى أنه «مع انتهاء الامتحانات، خلال الشهرين الماضيين، زاد تدفق السودانيين العائدين»، موضحاً أن مبادرته فقط تُسيّر ما لا يقل عن 25 حافلة كل شهر، حمولة كل منها 50 راكباً؛ أي أكثر من 1000 سوداني شهرياً.