تستعد إثيوبيا لافتتاح «سد النهضة» بشكل رسمي، بعد 14 عاماً من البدء في تشييده، دون التوصل لاتفاق مع دولتَي مصب نهر النيل (مصر والسودان)، وفي ظل شكاوى مصرية مستمرة من «ندرة المياه».
ومن المرتقب أن يدشن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، الثلاثاء، «سد النهضة» الذي شيدته إثيوبيا على الرافد الرئيسي لنهر النيل، بداعي توليد الكهرباء، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».
ووصف آبي أحمد، خلال افتتاح «قمة المناخ الأفريقية الثانية»، التي تستضيفها بلاده، الاثنين، السد بأنه «دليل على قوة إثيوبيا»، مؤكداً أنه «لم يكن مجرد مشروع وطني، بل إنجازاً تاريخياً يخص أفريقيا بأكملها»، وفقاً لوكالة الأنباء الإثيوبية.
وفي المقابل، شكا وزير الموارد المائية والري المصري هاني سويلم، من التحديات الناتجة عن محدودية الموارد المائية في بلاده، قائلاً: «إن مصر واحدة من أكثر دول العالم ندرة في المياه؛ إذ لا يتجاوز نصيب الفرد 560 متراً مكعباً سنوياً، وهو أقل بكثير من خط الفقر المائي العالمي البالغ 1000 متر مكعب».
وتطرق خلال الإعداد لـ«أسبوع القاهرة الثامن للمياه»، الذي تستضيفه مصر الشهر المقبل، إلى الإجراءات التي اتبعتها وزارته لتفادي شح المياه، والتي بينها «تطوير منظومة الري، ودمج التقنيات الذكية، والتوسع في الاعتماد على معالجة وإعادة استخدام مياه الصرف الزراعي».
وتنفي إثيوبيا وجود أضرار للسد. وقال آبي أحمد، في تصريحات الأسبوع الماضي، إن السد «لا يشكّل تهديداً لأي من دولتَي المصب»، ولوّح في الوقت ذاته بتدشين مشروعات مائية أخرى، قائلاً: «إثيوبيا بدأت بمشروع واحد، لكن يمكنها بناء المزيد من السدود في حوض النيل».
وأمام القاهرة 3 خيارات للتحرك مع انتهاء بناء السد، وفق عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية السفير صلاح حليمة، وهي «تعزيز الضغط على أديس أبابا لدفعها نحو التوقيع على اتفاق قانوني مُلزم بشأن تشغيل السد»، و«القبول بتدخل وسيط دولي قد يكون الولايات المتحدة للتوصل إلى حل»، وأخيراً «الاتجاه إلى مجلس الأمن لإصدار قرارات إدانة لإثيوبيا وفقاً للفصلين السادس والسابع».
ويتعلق «الفصل السادس» من ميثاق الأمم المتحدة بـ«التسوية السلمية للمنازعات»، ويُلزم الدول بالبحث عن «حلول سلمية مثل التفاوض والوساطة»، ويسمح بـ«توصيات فقط دون إكراه»، وفي المقابل يمنح «الفصل السابع» مجلس الأمن سلطة اتخاذ «إجراءات قسرية، عسكرية وغير عسكرية، لحفظ السلم والأمن الدوليين».
وأوضح حليمة لـ«الشرق الأوسط» أن القاهرة رحبت بمبادرة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للتوصل إلى تسوية سياسية، شريطة ألا يكون ذلك في «مقابلٍ تدفعه في قضايا أخرى»، وفي تلك الحالة ستكون الوساطة مرفوضة، وفق حليمة.
وأشار إلى أن الاتجاه لـ«مجلس الأمن» قد يكون بغية «التأكد من معيار (أمان السد)، وإظهار الدراسات الجيولوجية التي تؤكد ذلك، وطرح ما تسببه عملية تشغيل السد دون اتفاق قانوني من أخطار جسيمة على دولتَي المصب، وإرغام إثيوبيا نحو التوقيع على الاتفاق».
وسبق أن حث «مجلس الأمن الدولي» مصر وإثيوبيا والسودان، في سبتمبر (أيلول) عام 2021، على «استئناف المفاوضات، بدعوة من رئيس الاتحاد الأفريقي، بهدف وضع صيغة نهائية لاتفاق مقبول وملزم للأطراف، في إطار زمني معقول»، لكن دون نتيجة.
ووجّه وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، خطاباً لـ«مجلس الأمن» في سبتمبر العام الماضي، أكد فيه «رفض مصر القاطع للسياسات الأحادية الإثيوبية المخالفة لقواعد ومبادئ القانون الدولي، والتي تُشكل خرقاً صريحاً لاتفاق إعلان المبادئ الموقع في عام 2015».
ويرى حليمة أن «مصر ماضية في استنفاد كافة الوسائل الدبلوماسية المتاحة»، وتنظر إلى افتتاح السد بكونه «جرى تشييده بشكل غير قانوني، وتهديداً وجودياً لدولتَي المصب، ولا بد من تجاوز هذا الخطر».
وحذر مساعد وزير الخارجية المصري السابق لشؤون السودان السفير حسام عيسى، من أن يقود «التهرب الإثيوبي من التوصل لاتفاق، واستمرارها بإجراءاتها الأحادية على نهر النيل، ومساعيها نحو التصعيد مع دول الجوار، سواء الصومال أو إريتريا أو السودان، في النهاية إلى صدام».
وأضاف في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «كافة الحلول والبدائل متاحة على الطاولة للحفاظ على مصالح مصر المائية»، مضيفاً: «لا مبرر لتخزين كل هذا القدر من المياه رغم أن لديها فائضاً كبيراً من الأمطار؛ ما يبرهن على أن هدفها السيطرة على النيل واستفزاز دولتَي المصب».
وكشف الدبلوماسي المصري السابق عن «ضغوطات دبلوماسية تمارسها القاهرة مع السودان ودول الجوار القريب من إثيوبيا لدفعها نحو تغيير موقفها».
وعقدت مصر والسودان اجتماعاً تنسيقياً الأسبوع الماضي ضمن آلية «2+2» لوزراء الخارجية والري من البلدين، جددا خلاله «رفضهما لأي تحركات أحادية في حوض النيل الشرقي قد تضر بمصالحهما المائية»، وأوضح بيان مشترك أن «سد النهضة يمثل تهديداً حقيقياً لاستقرار المنطقة».