باللغة الإنجليزية فقط، من دون العبرية، أشاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الثلاثاء، بالرئيس الأميركي دونالد ترمب وبخطته للسلام في قطاع غزة التي اعتمدها مجلس الأمن، فيما التزم أعضاء حكومته الصمت، في وضع يشير إلى أزمة حقيقية في الداخل الإسرائيلي المشتت بين عدم الرضا عن خطة ترمب، والرغبة في تجنب إغضابه.
وقال نتنياهو إن إسرائيل تؤمن بأن خطة ترمب «ستقود إلى السلام والازدهار، لأنها تؤكد على نزع السلاح الكامل في غزة، ومكافحة التطرف فيها»، مضيفاً: «تماشياً مع رؤية الرئيس ترمب، سيؤدي هذا إلى مزيد من التكامل بين إسرائيل وجيرانها، بالإضافة إلى توسيع نطاق اتفاقيات إبراهيم».
ورغم أن تدوينة نتنياهو «اليتيمة» التي جاءت على حسابه الرسمي على منصة «إكس»، وليس الشخصي، تشكل مجاملة واضحة لترمب، فإنها لم تستطع أن تخفي الرفض والغضب المكبوت ضد الخطة وموقف مجلس الأمن منها.
وفسر المراسل السياسي لـ«القناة 12» الإسرائيلية، باراك رافيد، الوضع في الداخل، قائلاً: «القرار الذي اتخذه مجلس الأمن الدولي ليس أقل من تاريخي، فقد حوَّل الصراع إلى قضية دولية في عهد نتنياهو الذي عمل لعقود من أجل منع ذلك، وسيكون من الصعب للغاية على إسرائيل عكس هذه السابقة السياسية، وقد تقلصت كثيراً قدرتها على التصرف بشكل مستقل في القضية الفلسطينية».
وأضاف: «يمكن القول إن الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني لن يعود كما كان».

وأكد رافيد أن إسرائيل لم ترغب في صدور هذا القرار من مجلس الأمن، لكن إدارة ترمب أوضحت أنه من دونه لن توافق الدول على إرسال جنود إلى القوة الدولية في غزة.
وذكرت «القناة 12» كيف أن نتنياهو نفسه أوضح قبل عدة أشهر أنه لا يمكن له أن يتفق مع «حماس» على وقف نار وصفقة أسرى لأن الحركة ستطالب بمصادقة مجلس الأمن عليها، وتدخُّل مجلس الأمن سيقيد إسرائيل ولن يمكّنها من اتخاذ إجراءات جديدة ضد «حماس»، لكنه اضطر الآن «تحت عجلات جرافة ترمب، لقبول مثل هذا القرار».
«سياسة الصمت»
ويرى رافيد أن سياسة الحكومة الإسرائيلية قائمة الآن على الصمت، مضيفاً: «على الأقل هي في هذه المرحلة لا تبارك ولا تلعن، بل تنتظر احتمال فشل الخطوة الأميركية». وأردف: «حينها، يمكن لنتنياهو أن يطلب من ترمب الضوء الأخضر لتجديد الحرب على (حماس). وليس من المؤكد أن الرئيس الأميركي سيسمح بذلك».
والصمت فعلاً هو ما ميَّز المشهد الرسمي السياسي في إسرائيل، فلم يعقّب أي مسؤول في حكومتها حتى بعد مرور ساعات طويلة على اعتماد القرار الأميركي، بمن في ذلك المتطرفون محبو التصريحات النارية، مثل وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش.

ولم يُستثنَ من تيار الصمت سوى وزير الهجرة، أوفير سوفير، الذي قال لشبكة «كان» العبرية إنه يجب ألا تقوم دولة فلسطينية، وإنه ينبغي العمل على إسقاط ذلك من جدول الأعمال.
لكن زعيم المعارضة يائير لبيد استغل الموقف وقال إن نتنياهو وحكومته الأكثر يمينية «يرضخان لضغط الأميركيين، ويتخليان عن فصل غزة عن الضفة، ويتخليان رسمياً عن ضم الأراضي في الضفة، ويتبنيان توجيهات لإقامة تعاون مع السلطة الفلسطينية».
واستغل الموقف كذلك أفيغدور ليبرمان، رئيس حزب «إسرائيل بيتنا»، الذي هاجم القرار الأميركي والذي يحمل بين طياته إشارة لدولة فلسطينية، معتبراً أنه جاء نتيجة «إدارة فاشلة لحكومة إسرائيل».
وكان مجلس الأمن الدولي قد صوت، مساء الاثنين، لصالح اعتماد مشروع قرار برعاية الولايات المتحدة، يتضمن نشر قوة دولية ومساراً نحو دولة فلسطينية. وحصل النص على تأييد 13 عضواً، فيما امتنعت روسيا والصين عن التصويت من دون استخدام حق النقض. واعتبر السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة مايك والتز القرار «تاريخياً وبناء».
وتُشكل المسألتان، نشر قوات دولية وقيام الدولة الفلسطينية، أزمتين لحكومة نتنياهو.
وقالت صحيفة «يديعوت أحرونوت» إن إسرائيل حاولت تعديل المشروع تفادياً لإسقاط حكومة نتنياهو، لكن الأميركيين لم يستجيبوا خشية أن يُسقط ذلك المشروع.
وكتبت جيلي كوهين، المراسلة السياسية في هيئة البث «كان»، قائلة إن هذا القرار «يئد سلسلة الوعود التي سمعناها في السنوات الأخيرة من القيادة الإسرائيلية وزعيمها بنيامين نتنياهو». وتساءلت كيف أنه بعد سنوات ظل نتنياهو يقول فيها إن على الجميع مواجهة التحركات الفلسطينية لـ«تدويل» الصراع، يسمح الآن بذلك بل ويرحّب، وكيف أنه بعد عامين من الحرب تعهد فيهما بأنه لن يستبدل «حماس» بحركة «فتح» يسمح بوصول قوات فلسطينية تابعة للسلطة إلى غزة.

وأردفت: «للمرة الألف، يتعين على أولئك الذين زعموا أنهم وحدهم سوف ينجحون بإسقاط نظام (حماس)، وتحقيق النصر الكامل، وقول (لا) للرئيس الأميركي، وما إلى ذلك؛ أن يشرحوا الآن كيف حدث كل هذا».
وأسباب الغضب الإسرائيلي من القرار الأميركي هي نفسها أسباب الترحيب الفلسطيني الرسمي.
«بذور صالحة للاستثمار فلسطينياً»
فقد رحبت دولة فلسطين باعتماد مجلس الأمن الدولي مشروع القرار الأميركي، لأنه يثبّت وقف إطلاق النار ويؤكد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة.
وأبدت دولة فلسطين استعدادها الكامل للتعاون مع الجميع من أجل الذهاب إلى المسار السياسي الذي يقود إلى تحقيق السلام والأمن والاستقرار بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وفق حل الدولتين المستند للقانون الدولي والشرعية الدولية.
ويوجد لدى الفلسطينيين تحفظات لكنهم، كما هو حال الإسرائيليين، لم يريدوا مواجهة ترمب أو إغضابه، كما أنهم فرحون بأن القرار الأميركي تطرق إلى دولة فلسطينية محتملة.
وقال جمال نزال، القيادي في حركة «فتح»، إن أهمية القرار تكمن في أنه «يتحدث عن دولة فلسطينية ترفضها إسرائيل و(حماس) كذلك»؛ مؤكداً: «كلاهما فشل في رهانه».
وأضاف في تدوينة على صفحته على «فيسبوك»: «هل كسبت السلطة الوطنية الرهان؟ ليس بشكل حاسم، لكن هناك بذوراً صالحة للاستثمار لصالح الشعب الفلسطيني ومنها الحديث لأول مرة عن قرار مجلس الأمن عن دولة فلسطينية. جميع الدول طالبت بوجود السلطة الوطنية في غزة، وإنهاء دور إسرائيل باعتبارها قوة احتلال، وإنهاء دور (حماس) بصفتها حكومة في غزة».

