إسرائيل تقصف شرق لبنان لاستطلاع مخابئ «الصواريخ الدقيقة»
عكَس تكرار القصف الجوي الإسرائيلي مناطقَ في البقاع شرق لبنان تركيزاً إسرائيلياً على المنطقة، يشبه إلى حد بعيد ما كان يجري في جنوب لبنان خلال الأشهر الماضية؛ إذ رأى خبراء أنّ «القصف الذي استهدف محيط بلدة بريتال الشهر الماضي، مهّد لتوسّع الزنار الناري نحو البقاع الشمالي، بعدما كانت المواجهات محصورة إلى حدّ كبير في الجنوب».
وشهد البقاع الشمالي، الاثنين، إحدى أعلى موجات القصف الإسرائيلي كثافةً منذ بداية التصعيد؛ إذ شنّ الطيران الإسرائيلي نحو 10 غارات متتالية، توزّعت بين 5 غارات استهدفت مرتفعات محيطة ببلدة زغرين (إحدى بلدات جرود الهرمل)، و5 غارات أخرى على جرود حربتا.
هذه الغارات، التي جاءت بعد سلسلة غارات مماثلة على مرتفعات بوداي والنبي شيت في أواخر الشهر الماضي، تثير مخاوف السكان من أن تتحول المنطقة وجهة لقصف متكرر.
بعلبك… بداية مرحلة جديدة
وبرز التصاعد الميداني مع تنفيذ عملية اغتيال داخل مدينة بعلبك قبل 3 أسابيع، حين استهدفت طائرة إسرائيلية أحد عناصر «حزب الله» في حي العسيرة بالمدينة، فقتلت حسين سيفو شريف. وشكّل هذا الحدث نقطة تحوّل أكدت أن البقاع لم يعد بمنأى عن المعركة، وأن الاستهداف الجوي بات يأخذ وتيرة تصعيدية، سواء أكان عبر الطائرات الحربية أم المسيّرات.
قراءة ميدانية
وفي قراءة عسكرية للمشهد الميداني، قال اللواء المتقاعد عبد الرحمن شحيتلي، لـ«الشرق الأوسط»، إن الجانب الإسرائيلي «يسعى عبر هذا النمط من القصف إلى تكوين صورة استخبارية عبر تكرار الضربات على المواقع نفسها؛ لمنع أي حركة أو إعادة تموضع فيها».
وأوضح شحيتلي أن إسرائيل «تحاول أيضاً جرّ (الحزب) إلى استخدام الصواريخ الدقيقة، التي ظلّت حتى الآن خارج دائرة المواجهة»، مضيفاً أنّ «عدم استخدامها يثير تساؤلات بشأن ما إذا كانت ما زالت ضمن قاعدة الردع الاستراتيجية، أم إنها باتت خاضعة لحسابات ميدانية دقيقة».
وأضاف: «نحن نرى هذا التصعيد استطلاعياً أكثر منه هجومياً؛ لأن القصف لو كان موجهاً لتحقيق أهداف محدّدة لكان استمرّ حتى تدميرها بالكامل، لكن الواضح أنه قصف متقطّع لإبقاء المنطقة تحت المراقبة والشلل».
منطق الضغط الميداني
وفي حين يتخوف الناس في البقاع من أن يعيد هذا التحوّل صياغة قواعد اللعبة، بحيث «يصبح البقاع منطقة تماس استراتيجية لا تقلّ توتراً عن الجنوب»، أشار شحيتلي إلى أن «الحديث عن تحويل البقاع إلى (جنوب ليطاني ثانٍ) فيه مبالغة حتى الآن؛ لأن ما يجري هو توسيع لمسرح الاستهدافات ضمن منطق الضغط الميداني، وليس فتح جبهة جديدة»، مؤكداً أن «إسرائيل لا تمتلك معلومات كثيفة كافية بشأن مواقع الصواريخ الدقيقة، وما زال ذلك يشكّل لغزاً لها حتى اليوم».
وبالتالي، فإنّ المرحلة الراهنة تُظهر أن التصعيد في البقاع ما زال ضمن الحدود التكتيكية، لكنه، وفق شحيتلي، قد «يحمل مؤشرات خطيرة إذا ترافق مع اكتشافات ميدانية جديدة قد تُفضي إلى موجات قصف أشد كثافة وتأثيراً على المعادلة العسكرية في المنطقة».
إلى أين يتجه التصعيد؟
تتباين القراءات حيال المرحلة المقبلة؛ إذ تقول مصادر ميدانية لبنانية مواكبة للتطورات في البقاع، لـ«الشرق الأوسط»، إنّ المؤشرات الحالية «تدلّ على أنّ المنطقة مقبلة على مرحلة اختبار جديدة، مع تصاعد وتيرة الغارات واتّساع رقعتها الجغرافية»، وترى أنّ الجيش الإسرائيلي «يحاول توسيع عملياته باتجاه العمق الجغرافي لـ(حزب الله)، عبر توجيه ضربات استباقية محدودة النطاق؛ هدفها نقل الضغط من جبهة الجنوب التقليدية إلى جبهة موازية في الشرق اللبناني».
وتضيف المصادر أنّ «حزب الله» يتعامل «بحذر ميداني واضح مع هذا النمط من التصعيد، ملتزماً سياسة (ضبط النفس التكتيكي) وتجنّب الانجرار إلى مواجهة شاملة».
ووفق المصادر نفسها، فلا يبدو أن «الحزب» الآن «في وارد توسيع المواجهة أو فتح جبهة موازية، بل يركّز على سياسة امتصاص الضربات وتجنّب الاستدراج، مع الإبقاء على قدرة الردّ في التوقيت والمكان المناسبين، وهكذا، يتقدّم البقاع تدريجياً نحو موقع الجبهة الخلفية المشتعلة، حيث تتقاطع الرسائل الأمنية الإسرائيلية مع حسابات الردّ الموزونة من جانب (حزب الله)، في مشهد ينذر بأنّ (مرحلة ما بعد الجنوب) لن تكون أقلّ سخونة ولا أكبر استقراراً».
تصعيد متجدّد في الجنوب
وبموازاة التصعيد في البقاع، شهد الجنوب اللبناني، الثلاثاء، سلسلة انتهاكات لاتفاق وقف إطلاق النار؛ إذ استهدفت مسيّرة إسرائيلية سيارة بين بلدتَي دير عامص وصديقين في قضاء صور؛ ما أدى إلى سقوط قتيل وجريح، فيما قُتل سائق جرّافة في وادي مريمين غرب ياطر.
كما ألقت مسيّرة قنبلة حارقة على منزل في السلطانية تسببت في حريق، واستهدفت أخرى عمالاً في العديسة بقنبلتين صوتيتين من دون إصابات. في المقابل، تحرّكت دبابة «ميركافا» قرب موقع رويسات العلم مع تمشيط باتجاه أطراف كفرشوبا، بينما حلّق الطيران المسيّر الإسرائيلي على علوّ منخفض فوق بيروت وضواحيها.