من داخل كابينة التعليق في ملعب مدينة الملك فهد الرياضية بالطائف، صدح صوت المعلق الإماراتي أحمد الشيخ خلف المذياع، ونبرةٍ فاضت بالأمل وعكست كِبَر حجم الحِلم: «إن شاء الله نتمنّى إنكم تقابلونا في مطار دبي الدولي وتهنّون منتخبنا»، وأكمل بكثيرٍ من القلق: «خطيرة»، بعدها تداخلت لثوانٍ أصوات عراقية فرِحة بهدف متأخر، ثم عادت الكلمة إلى الشيخ فقال: «يا حرام»، وأخذ يكرّر «حرام.. حرام»، رددها سبع مرات، مُعبًرا عن حسرة بالغة بعد أحاسيس متضاربة، من الترقُّب قبل صافرة النهاية، والاستعداد للاحتفال بتجاوز العقبة قبل الأخيرة من مشوار تصفيات المونديال، إلى الحزن الشديد على ضياع الحلم.
لحظات المشاعر المتناقضة التي جسَّدتها كلمات الشيخ سيسعى اللاعبون الإماراتيون ألا تتكرر، عندما يواجهون المنتخب العراقي بالذات، مساء الخميس في أبو ظبي والثلاثاء المقبل في البصرة، ضمن خامس وآخر مراحل التصفيات الآسيوية المؤهلة لكأس العالم المقبلة.
فبعد 40 عامًا من تأهل «أسود الرافدين» إلى المونديال، يعيد التاريخ نفسه. المنتخبان ذاتهما يلتقيان في المحطة قبل الأخيرة من التصفيات. مواجهة ذهابٍ على ملعب محمد بن زايد في العاصمة الإماراتية، والإياب بعد أربعة أيام على ملعب البصرة جنوبيّ العراق. والهدفُ مشترك، إقصاء المنافس، والانتقال إلى ملحقٍ عالميّ، يُعدّ آخر فرصةٍ لكليهما من أجل الصعود، للمرة الثانية، إلى أكبر محفل كروي عالمي.
وخلال تصفيات مونديال «المكسيك 1986»، تخطّى المنتخبان مرحلة المجموعات، وفرض الدور الثاني عليهما مواجهتين، الأولى على ملعب الوصل في دبي، والثانية على أرض الطائف. في تلك الفترة، لعِب «أسود الرافدين» بعض المباريات أمام ضيوفهم خارج الديار، بسبب ظروف الحرب.
وغصَّ ملعب نادي الوصل بالمشجعين في الذهاب على نحو لم يكن مسبوقًا، كما حكى لـ«الرياضية» محمد الجوكر، الإعلامي والكاتب الإماراتي.
يروي الجوكر: «أًسنِدت إليَّ مهمة التعليق على هذه المباراة، كان القلمُ في يدي والميكروفون أمامي، فأنا صحافي رياضي محترف وفي الوقت ذاته مُعلِّق، والحضور الجماهيري يومها كان الأكبر منذ افتتاح الملعب عام 1980».
تقدم المنتخب المضيف مرّتين، هدفٌ أول لعدنان الطلياني، ردَّ عليه العراقيون بهدفٍ لحسين سعيد، وفي الشوط الثاني هدفٌ ثانٍ لفهد خميس، ردَّ عليه سعيد بالتخصص، ثم أحرز ناطق هاشم هدفًا قبل خمس دقائق من نهاية المواجهة، فانتصر الضيوف بنتيجة 3ـ2.
بعد أسبوعٍ واحد، احتضنت مدينة الملك فهد الرياضية موعد الإياب، عصر الـ 27 من سبتمبر 1985.
هذه المرة، وقع الدور في التعليق على أحمد الشيخ، وحضر الجوكر مع بعثة منتخب بلاده بصفته الصحافية، وكان الصحافي الوحيد المرافق لها. ومضت الأمور على ما يُرام بالنسبة للإماراتيين، تألق فهد خميس مجددًا وأحرز هدفًا، وأضاف الطلياني الهدف الثاني. نتيجة 2ـ0 كانت تعني، حال استمرارها، صعود منتخبهما إلى الدور الأخير والحاسم، للتنافس مع نظيره السوري على تمثيل غرب القارة بين منتخبات المونديال.
في الدقيقة 90، تراجع اللاعبون الإماراتيون إلى منطقتهم وأرسل أحد لاعبي العراق كرة طويلة لمسها أحد زملائه لتتهيأ بعدها أمام المهاجم كريم صدام، الذي روّض الكرة بالصدر ثم وجَّهها بقدمه اليمنى إلى المرمى فسكنت شباك الحارس الإماراتي عبد القادر حسن. عندها علّق أحمد الشيخ من خلف الميكروفون مُتحسّرًا: «يا حرام». عن تلك اللحظة، يقول الجوكر: «تحوّل فرحُنا إلى حزن، وحزن المنتخب العراقي إلى فرح غامر، هذه المباراة أصابتنا في مقتل، كما يقولون، لأننا كنا مؤهلين للوصول إلى كأس العالم، لكن الكرة الإماراتية تحلَّت بالعزيمة وصعدنا مع المدرب ذاته، البرازيلي كارلوس ألبرتو بيريرا، إلى النسخة التالية من البطولة، إيطاليا 1990».
أما العراقيون فقد واجهوا السوريين في مباراتي ذهاب وإياب خلال نوفمبر 1985، وقطعوا بطاقة مونديال المكسيك إثر التعادل من دون أهدافٍ على ملعب العباسيين في دمشق ثم الفوز 3ـ1 في الطائف.

