
كتب عامر علي, في الأخبار:
أعادت تطورات الساحل السوري مشهد «الشارع مقابل الشارع» إلى الأذهان، وذلك بعدما خرجت فيه تظاهرات مطالبة بوقف الفرز الطائفي.
في سيناريو يعيد إلى الأذهان الأحداث التي عاشتها سوريا مطلع عام 2011، وتحديداً عندما تمّ الزجّ بالشارع المؤيّد للرئيس السابق في وجه المتظاهرين المعارضين له، خرج مؤيّدون للسلطات الانتقالية في مواجهة تظاهرات دعا إليها رئيس «المجلس الإسلامي العلوي في سوريا والمهجر»، الشيخ غزال غزال، عقب التفجير الإرهابي الذي استهدف جامع الإمام علي بن أبي طالب في حمص، وراح ضحيته 18 شخصاً، وأصيب نحو 18 آخرين. وبحسب ما أكّدته مصادر محلية لـ«الأخبار»، فقد تخلّلت التظاهرات، التي شهدت مشاركة واسعة في اللاذقية وطرطوس وبعض أحياء حمص وريفَيْ حمص وحماه، أعمال عنف في طرطوس واللاذقية على وجه الخصوص، بالتوازي مع شنّ حملات أمنية مشدّدة لمنع أيّ تجمّعات في حمص.
وكان رفع المتظاهرون لافتات تدعو إلى إطلاق سراح المعتقلين وحماية المدنيين، ووقف عملية الفرز الطائفية التي تنفّذها السلطات الانتقالية، والتي تؤدّي إلى الاستبعاد المستمر للعلويين من الوظائف الحكومية. ومع تطوّر الاحتجاجات، اصطدم المشاركون فيها بتظاهرات مؤيّدة للسلطات، وعدد كبير من عناصر الأمن الذين أُقحموا فيها، ما تسبّب بحالة من الفوضى؛ إذ سُجّل، مثلاً، سماع صوت إطلاق نار غزير في اللاذقية، كما تمّ توثيق عمليات تهجّم بالعصيّ والسكاكين من قبل مؤيّدي الحكومة الانتقالية على المتظاهرين. وانتشرت، كذلك، تسجيلات مُصوّرة توثّق استقدام دبابات وآليات ثقيلة وغيرها من القطع إلى داخل أحياء مدينة اللاذقية.
تمّ توثيق مقتل شابيْن في اللاذقية وإصابة آخرين
وفي حصيلة أولية لأعمال العنف، تمّ توثيق مقتل شابين في اللاذقية وإصابة آخرين، بينما اتّهمت وزارة الداخلية، في بيان لها، من أسمتهم بـ«فلول النظام السابق» بالتسبب بمقتل أحد عناصر الأمن، عقب «إطلاق النار على المتظاهرين ورجال الأمن». وجاء في البيان: «تعرّض عناصر الأمن المُكلّفون بتأمين الاحتجاجات اليوم لاعتداءات مباشرة في مدينة اللاذقية، إضافة إلى حوادث استهداف في ريف طرطوس نفّذتها مجموعات مرتبطة بفلول النظام، أثناء قيام العناصر بواجبهم في حماية المتظاهرين والحفاظ على النظام العام». وأضاف أن «التعبير عن الرأي حق مكفول لجميع أبناء الشعب السوري ضمن الأطر السلمية، وقد جرى توجيه العناصر الأمنيين لتأمين الاحتجاجات وحماية المشاركين فيها، إلا أن بعض التحرّكات خرجت عن طابعها السلمي، ما أدّى إلى الاعتداء على عناصر الأمن»، في «جريمة يعاقب عليها القانون». كما تعهّدت الوزارة بـ«ملاحقة المتورّطين واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة في حقهم».
في المقابل، وعقب نشره عدداً من التسجيلات المُصوّرة التي توثّق عمليات إطلاق نار واعتداءات على المتظاهرين، دعا «المجلس الإسلامي العلوي الأعلى في سوريا والمهجر»، في بيان، المتظاهرين إلى العودة إلى منازلهم، مشيراً إلى أنه «على مرأى ومسمع من العالم أجمع، كشفت سلطةُ الأمر الواقع عن حقيقتها القمعية، مؤكدةً أنّها لا تمثّل دولةً ولا تحترم أبسط مقوّماتها، إذ واجهت مدنيين عُزّلاً خرجوا للمطالبة بحقوقهم المشروعة بكل أشكال الإرهاب والترهيب، من نحر وقتل ورصاص ودهس واعتقال وقمع».
كما نوّه البيان إلى أن ما حصل هو «انتهاك فاضح وواضح للقوانين الإنسانية والمواثيق الدولية التي تكفل حرية التعبير والتظاهر السلمي، في مشهد يُدين الصمت الدولي ويحمّل المسؤولية الأخلاقية والقانونية لكل من يتغاضى عنه»، مؤكّداً «حقَّ الناس في التعبير السلمي»، وداعياً «أبناء شعبنا إلى الحفاظ على سلامتهم والعودة إلى بيوتهم، مع تمسّكنا المطلق بالحقوق المشروعة». كذلك، طالب المجلس «المجتمع الدولي بتحمّل مسؤولياته ووضع حدٍّ لهذه الانتهاكات الجسيمة».
وتشكّل الأحداث الأخيرة في حمص والساحل السوري، إحدى حلقات العنف التي تشهدها تلك المنطقة منذ أشهر، بما في ذلك مجازر آذار التي راح ضحيتها نحو ألف و500 مدني، وعمليات التهجير والاعتداء التي تعرّض ولا يزال يتعرّض لها العلويون في المنطقة الوسطى والساحل، والتي كان آخرها التفجير الذي استهدف جامع الإمام علي في حمص، وتبنّى فصيل «أنصار السنّة» مسؤوليته. وفي وقت لا يزال فيه مصير مئات الشبان السجناء مجهولاً بالنسبة إلى أهاليهم، أعلنت السلطات الانتقالية، في محاولة لتنفيس الاحتقان المتزايد، الإفراج عن عشرات المعتقلين العسكريين، من أبناء الطائفة العلوية، بعدما خلصت إلى أنهم «لم يتورّطوا» في أيّ جرائم.

