طور مجموعة من الباحثين في الولايات المتحدة طريقة جديدة للكشف عن أمراض الجهاز الهضمي باستخدام “حبوب” صغيرة تحتوي على بكتيريا حساسة للدم، دون حاجة لمنظار القولون التقليدي.
وأوضح الباحثون في ورقة بحثية نشرتها دورية ACS Sensors، أن هذه الحبوب المصغرة تضم كرات هيدروجيل دقيقة محشوة ببكتيريا قادرة على رصد علامات الأمراض الهضمية، كما تحتوي على جسيمات مغناطيسية لتسهيل جمعها بعد مرورها عبر الجسم، ويمكن تناولها عن طريق الفم، وتتحرك خلال الأمعاء لتلتقط مؤشرات النزيف المعوي.
وأكدت التجارب التي أجريت على نماذج فئران مصابة بالتهاب القولون أن الحبوب استطاعت الكشف عن النزيف الهضمي في غضون دقائق فقط بعد مرورها عبر الجهاز الهضمي.
وأكد الباحثون أن البكتيريا المستخدمة في هذه الحبوب يمكن تكييفها للكشف عن أمراض معوية أخرى غير النزيف، لافتين إلى أن ملايين الأشخاص في الولايات المتحدة يعانون من سرطان القولون أو أمراض الأمعاء الالتهابية، بما في ذلك التهاب القولون الذي يسبب نزيفًا معويًا وإسهالًا وتقلصات في البطن.
وأوضحوا أن الطريقة التشخيصية القياسية هي تنظير القولون باستخدام جهاز منظار يحتوي على كاميرا في نهايته ويمر عبر الأمعاء الغليظة، رغم قيمته الطبية العالية، إلا أن كثيرين يتجنبون هذا الإجراء بسبب التحضيرات المعقدة وطبيعته التدخلية.
قال الباحثون إنهم يسعى لتطوير طرق أقل إزعاجاً باستخدام البكتيريا للكشف عن مؤشرات المرض مثل مكون خلايا الدم الحمراء “الهيم”، وهو علامة على النزيف المعوي.
وأضافوا أن التجارب السابقة أظهرت قدرة البكتيريا على الكشف عن “الهيم” وإصدار ضوء عند تواجد الدم، لكن المشكلة كانت أن هذه الحساسات تتكسر بسهولة في الجهاز الهضمي وصعب جمعها بعد خروجها.
وغلف الباحثون البكتيريا مع الجسيمات المغناطيسية داخل كتل من صمغ الصوديوم، وهو مادة كثيفة تستخدم في الأغذية، وأنتجت هذه العملية كرات “هيدروجيل” دقيقة تعمل كحساسات يمكن استخلاصها بسهولة من البراز باستخدام المغناطيس بعد مرورها عبر الجسم.
وأظهرت النتائج الأولية أن هذه الكرات تحمي البكتيريا من سوائل الجهاز الهضمي، وفي الوقت نفسه تسمح للهيم بالتفاعل مع البكتيريا لإصدار الضوء.
تجارب ناجحة على الفئران
أوضح الباحثون أن التجارب على نماذج الفئران المصابة بالتهاب القولون شملت مراحل مختلفة من المرض، من الحالة السليمة إلى المراحل الشديدة، وبعد مرور الكرات عبر الجهاز الهضمي للفئران، تمكن الباحثون من جمعها من البراز باستخدام المغناطيس، وبلغ متوسط الوقت المستغرق لتنظيف الكرات وتحليل الإشارات نحو 25 دقيقة فقط.
وأكدت الدراسة أن شدة الضوء المنبعث من الحساسات زادت مع تقدم مراحل المرض، ما يشير إلى زيادة وجود الهيم في الفئران المصابة بالتهاب القولون المتقدم.
أوضحت الدراسة أن تقييمات الفئران السليمة التي أعطيت الحساسات أظهرت أن الكرات الهيدروجيلية متوافقة حيويا وآمنة، ولم تسبب أي ضرر للجهاز الهضمي.
وأشار الباحثون إلى أن هذه الطريقة، على الرغم من الحاجة لاختبارها على البشر، تمثل نموذجًا واعدًا لتشخيص أمراض الجهاز الهضمي ومتابعة تقدم العلاج وفعالية التدخلات الطبية.
وأشارت الدراسة إلى أن هذه التقنية توفر نموذجًا جديدًا للكشف السريع وغير التدخلي عن الأمراض الهضمية، ما يقلل الاعتماد على الإجراءات التقليدية التي ربما تكون مزعجة للمريض.
وأوضح الباحثون أن التغليف الدقيق للبكتيريا داخل الكرات الهيدروجيلية يتيح استخدام الحساسات البكتيرية للكشف عن النزيف المعوي بشكل مباشر، مع إمكانية تعديلها للكشف عن مؤشرات أمراض معوية أخرى، وهو ما يفتح آفاقًا لتطبيقات أوسع في مجال الرعاية الصحية.
أكد الباحثون أن هذه الطريقة لا تقتصر على التشخيص فقط، بل يمكن أن تستخدم أيضًا لمراقبة العلاج والتغيرات المرضية في الجهاز الهضمي طوال الوقت، ما يساهم في تحسين متابعة المرضى وتقليل الحاجة للإجراءات الغازية المتكررة.
اعتبرت الدراسة إلى أن الجمع بين البكتيريا والحساسية للهيم والجسيمات المغناطيسية يمثل ابتكارًا يمكن أن يغير من شكل التشخيص المعوي التقليدي.
وقال الباحثون إن التقنية الجديدة توفر حلاً عمليًا وفعالًا لتشخيص النزيف المعوي، وأن استخدام المغناطيس لاستخراج الحساسات من البراز يجعل العملية أكثر سهولة وأمانًا، ويقلل من الأخطار المرتبطة بالتنظير، مؤكدين أن نتائج التجارب على الفئران تدعم إمكانية تطبيق هذه الطريقة على البشر بعد استكمال الدراسات اللازمة لضمان الفعالية والسلامة.

