لفت الرئيس الأميركي دونالد ترمب انتباه العالم في ولايته الأولى إلى أن الولايات المتحدة تستعد لعصر من المنافسة العسكرية والاقتصادية المكثفة مع بكين، ولكن مع توجهه في أول رحلة له إلى آسيا منذ عودته إلى البيت الأبيض في ولايته الثانية، أصبح إبرام اتفاق تجاري جديد مع نظيره الصيني شي جين بينج أولوية، ما أثار مخاوف حلفاء من أن هذه الصفقة قد تأتي على حساب قضايا الأمن والاقتصاد، حسبما أفادت صحيفة “وول ستريت جورنال”.
وبدأ ترمب جولته الآسيوية، الأحد، من ماليزيا في اجتماع لقادة دول جنوب شرق آسيا، حيث شارك الرئيس الأميركي في مراسم توقيع اتفاقية سلام لتسوية النزاع الحدودي بين تايلندا، وكمبوديا، ثم يتوجه إلى اليابان، حيث سيلتقي ساناي تاكايشي، رئيسة الوزراء الجديدة للبلاد.
أما المحطة الثالثة لترمب في جولته الآسيوية، فستكون كوريا الجنوبية حيث سيلتقي بالرئيس لي جاي ميونج، ويشارك في قمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ “أبيك”، وبينما أعرب ترمب عن انفتاحه على لقاء الزعيم الكوري الشمالي، كيم جونج أون، في وقت ما، فيما قال مسؤول أميركي كبير، الجمعة، إن ذلك “ليس مدرجاً على جدول هذه الرحلة”.
ووصف ترمب اجتماعه المرتقب مع شي في كوريا الجنوبية، بأنه “الاختبار الحاسم لرحلته الآسيوية”، مضيفاً: “يبدو أن هذا هو ما يثير اهتمام الناس بشدة.. أعتقد أنه عندما ننتهي من اجتماعاتنا في كوريا الجنوبية، سنتوصل أنا والصين إلى اتفاق تجاري عادل ورائع حقاً”.
أجندة ترمب بشأن الصين
وتتضمن أجندة ترمب بشأن الصين تخفيف قيودها على تصدير المعادن الأرضية النادرة، وتجنب حرب تجارية شاملة مع بكين، إضافة إلى إقناعها باستئناف شراء فول الصويا الأميركي بعد توقف أثار استياء المزارعين الأميركيين، وهم شريحة انتخابية مهمة في الحزب الجمهوري.
وهيمنت على إدارة ترمب الأولى جهاتٌ مُختصةٌ بالأمن القومي، كانت صارمةً في تعاملها مع الصين، وشدّدت على ضرورة الاستعداد لعصر جديد من التنافس بين القوى العظمى، وفق الصحيفة.
ووصفت استراتيجية الدفاع الوطني لعام 2018، خلال فترة وزير الدفاع آنذاك جيم ماتيس في البنتاجون، الصين بأنها قوة “تعديلية” عازمة على الهيمنة على غرب المحيط الهادئ، وقالت إن الولايات المتحدة ستعزز تحالفاتها، وتُنمّي اقتصادها، وتُرسل جيشاً أكثر فتكاً.
ومع ذلك، يشير مسؤولون حاليون وسابقون في البنتاجون إلى أن جزءاً كبيراً من ميزانية الدفاع لا يزال يهدف إلى تطوير قاذفات جديدة وصواريخ بعيدة المدى وطائرات مسيرة شبه مستقلة من شأنها تعزيز القدرات العسكرية الأميركية في غرب المحيط الهادئ.
وتوقعت “وول ستريت جورنال” أن تُسلّط استراتيجية الدفاع الوطني لوزير الدفاع بيت هيجسيث الضوء على الوجود المُتوسّع للجيش الأميركي في نصف الكرة الغربي، للضغط على الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو لترك منصبه ومحاولة وقف تدفق المخدرات.
في الإطار، قال كريج سينجلتون، الدبلوماسي الأميركي السابق الذي يدير برنامج الصين في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات: “يواجه حلفاء آسيويون صدمة استراتيجية”.
وأضاف: “يتمثل قلقهم الرئيسي الآن في ما إذا كانت غرائز ترمب التجارية ستؤدي إلى صفقة كبرى مع شي، وخاصة صفقة تُهمّش تايوان، أو تُضعف نفوذ الحلفاء”.
من جانبه، قال كورت كامبل، الخبير في الشؤون الآسيوية، والذي شغل منصب نائب وزير الخارجية في إدارة الرئيس السابق جو بايدن، إن الاجتماع المرتقب بين ترمب، وشي “أثار قلقاً وترقباً كبيرين في المنطقة”.
وأضاف كامبل أن الحلفاء الآسيويين يُحبون العلاقات بين الولايات المتحدة والصين “ليست ساخنة أو باردة جداً.. هم قلقون بشأن السيناريوهات التي قد تتصاعد فيها العلاقات بين ترمب وشي نحو المواجهة، أو تؤدي إلى شراكة بين واشنطن، وبكين تُتخذ فيها قرارات تتجاوز مصالحهم”.
وقال كامبل: “في الحرب الباردة، كانت لغة القوة هي استخدام الأسلحة النووية.. أما ترمب وشي، فيُدشنان عصراً جديداً تُشكّل فيه البراعة التكنولوجية جوهر المنافسة”.
بدوره، قال تود هاريسون، خبير ميزانية الدفاع في معهد “أميركان إنتربرايز”، في ندوة عُقدت الخميس: “يبدو أن التحول في الاستراتيجية التي يتحدثون عنها يُشير إلى أن عدداً أكبر بكثير من قواتنا لن يكون في المحيط الهادئ”.
وأضاف: “سيعودون إلى نصف الكرة الغربي، وسنركز على عصابات المخدرات أكثر من تركيزنا على جمهورية الصين الشعبية”.
سياسة الغموض الاستراتيجي
وكان مسؤول أميركي قال في تصريحات صحافية، الجمعة، إن إدارة ترمب “لا تنوي التخلي عن سياسة الغموض الاستراتيجي المتبعة منذ فترة طويلة حول ما إذا كانت واشنطن ستتدخل عسكرياً إذا هاجمت الصين تايوان”.
وفي هذا الصدد، قال وزير الخارجية ماركو روبيو، الذي يرافق ترمب في رحلته إلى ماليزيا، إن إدارة الرئيس الأميركي “لن تقدم تنازلات بشأن أمن تايوان مقابل إبرام اتفاق تجاري مع الصين.. لا أعتقد أنكم سترون اتفاقاً تجارياً يمنحنا معاملة تفضيلية في التجارة مقابل الانسحاب من تايوان.. لا أحد يفكر في ذلك”.
تمديد الهدنة التجارية
والأحد، أعلن كبير المفاوضين التجاريين الصينيين لي تشنج جانج، توصل المسؤولين الاقتصاديين من الصين والولايات المتحدة، إلى “توافق مبدئي” بعد مناقشات في كوالالمبور بشأن مجموعة من القضايا، بما في ذلك تمديد الهدنة التجارية بينهما، وأزمة مخدر الفنتانيل، وضوابط التصدير.
وأجرى لي، إلى جانب نائب رئيس الوزراء الصيني هي لي فنج، محادثات مع وزير الخزانة الأميركي، سكوت بيسنت، والممثل التجاري الأميركي، جيميسون جرير، لخفض تصعيد الحرب التجارية على هامش قمة رابطة دول جنوب شرق آسيا “آسيان”.
ولم يقدم المسؤول الصيني، تفاصيل بشأن القضايا والشروط المتفق عليها.
ووصف وزير الخزانة الأميركي، المحادثات، بأنها كانت “بنّاءة، شاملة، وعميقة”، مشيراً إلى أنها “أتاحت لنا المضي قدماً، ووضع الأساس لاجتماع القادة ضمن إطار إيجابي للغاية”.

