أثبتت دراسة علمية حديثة، أن استخدام دواء قديم ورخيص يعود عمره إلى قرن كامل، يمكن أن يحسن حياة المصابين بمرض السكري من النوع الأول من خلال تقليل احتياجاتهم من الإنسولين اليومي.
وأكدت الدراسة أن الدواء المتداول لعلاج السكري من النوع الثاني “ميتفورمين”، لا يعمل بالطريقة التي افترضها الأطباء لعقود طويلة، لكنه مع ذلك يحقق فائدة غير متوقعة تتمثل في خفض الكمية اللازمة من الإنسولين للحفاظ على مستويات السكر ضمن المدى المثالي، الأمر الذي قد يفتح الباب أمام تحسينات كبيرة في إدارة السكري من النوع الأول، ويقلل العبء الذهني والجسدي الهائل الذي يعيشه المرضى مع الاعتماد المستمر على الإنسولين مدى الحياة.
وأوضحت الدراسة المنشورة في مجلة Nature Communcations، أن دواء “الميتفورمين” ظل يستخدم لسنوات طويلة مع مرضى السكري من النوع الأول خارج نطاق الاستخدام المعتمد رسمياً، استناداً فقط إلى تجارب ميدانية وشهادات غير منهجية تفيد بأنه يقلل مقاومة الإنسولين لدى هؤلاء المرضى.
وكشفت التجربة السريرية الجديدة، أن “الميتفورمين” لا يقلل مقاومة الإنسولين كما كان يعتقد، بل يؤدي إلى تقليل احتياجات الجسم من الإنسولين للحفاظ على مستوى السكر مستقراً.
وأوضحت الدراسة، أن هذه النتيجة غير المتوقعة، يمكن أن تغير طريقة تعامل الأطباء مع المرض، وتسهم في تخفيف العبء الكبير المرتبط بتنظيم الجلوكوز اليومي للمرضى الذين يضطرون إلى اتخاذ ما يقارب 180 قراراً إضافياً يومياً لإدارة حالتهم.
ويؤثر السكري من النوع الأول، على ملايين البشر حول العالم؛ وهو حالة مناعية ذاتية، يهاجم بسببها الجهاز المناعي خلايا البنكرياس المنتجة للإنسولين بشكل خاطئ، مما يتطلب الاعتماد على الإنسولين الخارجي باستمرار.
تحسين حساسية الإنسولين
ويمكن أن يؤدي الاستخدام طويل المدى للإنسولين لدى بعض المرضى إلى مقاومة الإنسولين، أي فقدان خلايا الجسم للقدرة على الاستجابة الكافية له، مما يرفع المخاطر الصحية، ويزيد من صعوبة إدارة المرض، كما يزيد أيضاً من احتمالات الإصابة بأمراض القلب، وهي أحد أكبر أسباب المضاعفات والوفيات لدى المصابين بالسكري من النوع الأول.
وأجرى فريق من معهد جارفان الأسترالي بقيادة الباحثة، جينيفر سنيث، والباحث جيري جرينفيلد، أول تجربة عالمية عشوائية لاختبار فعالية “الميتفورمين” في مواجهة مقاومة الإنسولين لدى البالغين المصابين بالسكري من النوع الأول.
ويستخدم ما يقارب 13 ألف أسترالي، هذا الدواء خارج نطاق التوصيات الرسمية حالياً، بينما ظل تأثيره الحقيقي على حالتهم غير واضح.
وتهدفت التجربة التي حملت اسم INTIMET، إلى تحديد ما إذا كان الدواء يؤدي إلى تحسين حساسية الجسم ضد الإنسولين كما يفعل لدى مرضى السكري من النوع الثاني.
وقام الباحثون خلال تلك الدراسة، بتقسيم 40 مريضاً بالغاً يعانون من السكري من النوع الأول لفترة طويلة عشوائياً على مجموعتين؛ الأولى تتناول “الميتفورمين”، والثانية تتناول دواءً وهمياً لمدة ستة أشهر.
واستخدم الفريق البحثي تقنية متقدمة تسمى “اختبار المشبك” لمتابعة وتحليل مقاومة الإنسولين في أجزاء مختلفة من الجسم بدقة.
أظهرت التجربة أن “الميتفورمين” لم يحدث أي فرق في مستويات مقاومة الإنسولين، ولم يؤد إلى تغيير في مستويات الجلوكوز، مما يثبت أن الآلية التي يعمل بها الدواء لدى مرضى النوع الأول من السكري، مختلفة تماماً عن آلية تأثيره لدى المصابين بالنوع الثاني.
وكشفت التجربة مع ذلك، أن تناول “الميتفورمين” أدى إلى تقليل كمية الإنسولين المستخدمة يومياً بنسبة تقارب 12% مقارنة بالمرضى الذين تناولوا العلاج الوهمي، وهو ما اعتبره الباحثون إنجازاً مهماً، إذ أن تقليل جرعات الإنسولين، يمثل هدفاً رئيسياً ومطلباً حيوياً للعديد من المرضى.
آلية غير مفهومة
أشارت الباحثة الرئيسية في الدراسة، جينيفر سنيث، إلى أن الإنسولين، رغم كونه علاجاً منقذاً للحياة، يشكل عبئاً نفسياً وجسدياً كبيراً، مؤكدة أن أي وسيلة آمنة لتقليل كميته دون الإضرار بتنظيم السكر، تعد تقدماً مهماً للغاية في تحسين جودة الحياة لدى المصابين.
ويحقق الباحثون الآن، في الكيفية التي يخفض بها “الميتفورمين” احتياجات الإنسولين لدى مرضى النوع الأول من السكري، إذا كان لا يقلل مقاومة الإنسولين، فرغم أن الدواء موجود منذ حوالي 100 عام، إلا أن آليته البيولوجية الدقيقة لا تزال غير مفهومة.
وأشار الباحث جيري جرينفيلد، إلى أن نتائج التجربة تتحدى فرضية طبية راسخة مفادها أن “الميتفورمين” يعمل على تحسين حساسية الجسم للإنسولين، مؤكداً أن اكتشاف آلية التأثير، أصبح الآن الأولوية القصوى في الأبحاث.
فهم آلية الميتفورمين بالتفصيل قد يساعد مستقبلا في تصميم أدوية أكثر فعالية واستهدافاً تقلل الحاجة للإنسولين دون التسبب في فقدان كتلة العضلات
جينيفر سنيث.. مؤلفة الدراسة
الباحثون إلى أن هناك دلائل متزايدة على أن “الميتفورمين” قد يعمل من خلال التأثير على الجهاز الهضمي وتحديداً على تركيبة بكتيريا الأمعاء أو ما يعرف بالميكروبيوم.
وأعلن الفريق البحثي الأسترالي، البدء بالفعل في تحقيقات بحثية، لدراسة كيفية تغير الميكروبيوم لدى المصابين بالسكري من النوع الأول عند استخدام الدواء، وهي زاوية لم يسبق دراستها في هذا المرض من قبل، معربين عن أملهم في أن توفر هذه الدراسة الجديدة، أدلة مهمة تفسر التأثير الإيجابي للدواء، وتسمح باستخدامه بفعالية أكبر في المستقبل.
اُختتمت الدراسة بالتأكيد على أن تمكين المرضى من خفض جرعات الإنسولين مع الحفاظ على تنظيم مستقر للسكر، يمكن أن يمثل تحولاً كبيرا في إدارة السكري من النوع الأول. وقد تؤسس تلك النتائج لمرحلة جديدة من العلاجات التي تعزز دور الأدوية منخفضة التكلفة إلى جانب الإنسولين بدلاً من الاعتماد الكامل عليه.
وأشارت مؤلفة الدراسة، إلى أن فهم آلية الميتفورمين بالتفصيل قد يساعد مستقبلاً في تصميم أدوية أكثر فعالية واستهدافاً تقلل الحاجة للإنسولين دون التسبب في فقدان كتلة العضلات أو مضاعفات صحية أخرى، مما يساهم في تحسين حياة مئات الآلاف من المرضى حول العالم الذين يعيشون مع هذا المرض المزمن مدى الحياة.

