إدارة ترمب تبحث «الخيارات العسكرية» في فنزويلا
تشهد واشنطن نقاشاً محتدماً حول سياسة إدارة الرئيس دونالد ترمب حيال أميركا اللاتينية، ولا سيما بعد تداول كبريات الصحف الأميركية تقارير عن مناقشات متقدمة داخل البيت الأبيض حول احتمال تنفيذ عملية عسكرية ضد فنزويلا.
وفيما يتزايد الحضور العسكري الأميركي في منطقة الكاريبي، تكشف استطلاعات الرأي عن معارضة غالبية الأميركيين للضربات التي تنفذها الإدارة ضد «قوارب المخدرات»، بينما تثير تسريبات المذكرات القانونية السرية التي تستند إليها تلك الضربات موجة تساؤلات حول شرعية العمليات واتساع أهدافها.

وبحسب صحيفة «واشنطن بوست» ووسائل إعلام أخرى، عاد وزير الحرب بيت هيغسيث ورئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال دان كين إلى البيت الأبيض ليوم ثانٍ متتالٍ، الجمعة، للمشاركة في اجتماعات رفيعة ضمّت نائب الرئيس جي دي فانس، ووزير الخارجية ماركو روبيو، ونائب كبير موظفي البيت الأبيض ستيفن ميلر. وبحسب مصادر مُطّلعة، فإن هذه الاجتماعات ركّزت على طيف واسع من «خيارات العمل العسكري»، دون أن تتضح بعد طبيعة القرار النهائي للرئيس دونالد ترمب.
واستناداً لوعود ترمب السابقة بتجنّب الانخراط في صراعات جديدة، فإن أي عملية عسكرية داخل الأراضي الفنزويلية ستشكل تحولاً جذرياً في نهج إدارته، وستتسبب في هزة سياسية داخلية وخارجية على حد سواء. فالضربة المحتملة تأتي في لحظة ارتباك سياسي داخل واشنطن، وبعد أشهر من عمليات عسكرية مثيرة للجدل ضد قوارب في البحر الكاريبي والهادئ، أودت بحياة العشرات من المشتبه في تهريبهم المخدرات، ما أثار انتقادات حقوقية ودبلوماسية واسعة.
توتر غير مسبوق
على الأرض، تتسارع المؤشرات نحو استعدادات ميدانية أكبر. فقد دخلت حاملة الطائرات «جيرالد فورد» المنطقة قبل أيام، مصحوبة بأكثر من 75 طائرة مقاتلة وما يزيد على خمسة آلاف جندي. وإلى جانبها، تنتشر أكثر من 12 سفينة حربية أميركية في البحر الكاريبي، في أكبر حشد عسكري أميركي تشهده المنطقة منذ عام 1989.

وتفيد مصادر أميركية بأن طيارين من على متن الحاملة فورد بدأوا دراسة منظومات الدفاع الجوي الفنزويلية، رغم عدم إبلاغهم حتى الساعة بصدور أمر الهجوم. وفي المقابل، أعلنت كاراكاس تعبئة نحو 200 ألف عنصر من قواتها الجوية والبرية والبحرية استعداداً لـ«الدفاع عن البلاد»، ما يزيد من احتمالات الانزلاق غير المقصود إلى مواجهة مفتوحة.
وبحسب مصادر في الإدارة الأميركية، تعمل واشنطن أيضاً على تقييم دور قوات العمليات الخاصة، بما في ذلك وحدات «دلتا فورس»، في حال تطلبت العملية «قدرات دقيقة لاعتقال أو تحييد أهداف عالية القيمة».
«أسلحة كيميائية»؟
على المستوى القانوني، فجّرت صحيفة «وول ستريت جورنال» نقاشاً حاداً بعد كشفها عن أن مذكرة سرية صادرة عن مكتب المستشار القانوني في وزارة العدل تُقدّم تبريراً قانونياً لاستخدام القوة ضد تجار المخدرات، وتربط مادة الفنتانيل بتهديد «أسلحة كيميائية».

ورغم تأكيد الوزارة أن هذا الربط ليس أساسياً في حجتها القانونية، فإن إدراجه في وثيقة رسمية أثار استغراباً واسعاً، خصوصاً أن فنزويلا ليست مُنتجاً للفنتانيل، ولا تُعدّ نقطة عبور رئيسية له.
وبحسب مشرعين اطّلعوا على المذكرة، فإن الإدارة تعتمد على تصنيف «الكارتيلات» كـ«منظمات إرهابية أجنبية» لتبرير الهجمات البحرية، وعلى مبدأ «الدفاع الجماعي» بدعوى حماية دول متضررة مثل كولومبيا والمكسيك من العنف المرتبط بتجارة المخدرات. إلا أن بعض الخبراء القانونيين وصفوا هذه الحجة بأنها «أكبر توسع غير مسبوق» في تطبيق القوانين الخاصة بمكافحة الإرهاب.
وقال السيناتور الديمقراطي كريس فان هولين إن المذكرة تبدو «محاولة لإيجاد مبررات قانونية بعد اتخاذ القرار بالفعل»، معتبراً أنها «مليئة بالحجج المتناقضة».
انقسام داخلي
على الصعيد السياسي، يتزايد التوتر بين الكونغرس والبنتاغون. فقد كشف أعضاء في لجان القوات المسلحة عن أنهم حصلوا قبل أسابيع على تأكيدات من مسؤولين عسكريين بأن «لا خطط» لعمليات داخل فنزويلا.

وأظهرت استطلاعات جديدة نشرتها «رويترز/إبسوس» أن 51 في المائة من الأميركيين يعارضون عمليات القتل خارج إطار القضاء التي تنفّذها القوات الأميركية ضد قوارب المخدرات المزعومة، فيما لم تتجاوز نسبة المؤيدين 29 في المائة. ويؤيد 21 في المائة فقط تدخلاً عسكرياً لإطاحة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو.
أما داخل الحزب الجمهوري نفسه، فيبدو أن الحماسة للعمليات العسكرية متباينة. فبعد إسقاط تشريع يهدف إلى تقييد قدرة الرئيس على شن حرب في فنزويلا، قال السيناتور الجمهوري تود يونغ إنه «قلق للغاية من الافتراضات التي تبني عليها الإدارة قراراتها». وأضاف أن المزاج الأميركي العام يميل إلى «تقليل التورط العسكري الأميركي في الخارج».
شركاء متململون
إقليمياً، تسببت العمليات الأميركية المتواصلة في توتر علاقاتها مع أقرب حلفائها. فقد أعلنت كولومبيا وقف تبادل المعلومات الاستخباراتية مع واشنطن بسبب «اعتبارات حقوقية» قبل أن تتراجع عن هذه الخطوة، بينما أكّدت المكسيك أنها اعترضت على ضرب قارب على بُعد 400 ميل فقط من مدينة أكابلكو. وقالت الرئيسة المكسيكية كلوديا شينباوم إن بلادها «لا توافق على هذه الهجمات»، وإنها توصّلت إلى تفاهم مع الأميركيين يقضي بأن تتولى البحرية المكسيكية التعامل مع أي قوارب مشبوهة قرب حدودها البحرية.

وفي كاراكاس، حاول الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو الظهور بمظهر المطمئن، موجهاً رسالة «سلام» إلى واشنطن. لكنه في الوقت نفسه رفع مستوى التعبئة العسكرية، واعتبر أن بلاده «مستهدفة بحملة أكاذيب» لتبرير تدخل خارجي.
غموض متعمّد
ورغم التصعيد المتزايد، يواصل الرئيس الأميركي التزام سياسة «الغموض الاستراتيجي». ففي تعليق مقتضب على متن الطائرة الرئاسية، مساء الجمعة، قال: «لا أستطيع أن أخبركم بما سيكون عليه الأمر، لكنني حسمت أمري إلى حدّ ما». وهو تصريح يُقرأ على أنه إشارة إلى احتمال اتخاذ القرار قريباً، لكنه أيضاً جزء من خطاب ترمب المعتاد الذي يجمع بين التهديد وتجنب الالتزام بخطوة محددة.
ولطالما شكّل مادورو هدفاً سياسياً مباشراً لترمب، منذ رفع المكافأة الأميركية على اعتقاله إلى 50 مليون دولار، وصولاً إلى اتهامه بإغراق الولايات المتحدة بالمخدرات، و«تسهيل نشاط عصابات إجرامية» تمتدُّ إلى دول الجوار.
ويرى محللون أن البيت الأبيض يسعى، من خلال التصعيد العسكري والضربات البحرية، إلى محاصرة مادورو سياسياً وإقليمياً، أملاً في دفعه إلى تقديم تنازلات داخلية أو تحريك صراعات داخل نظامه. إلا أن آخرين يجادلون بأن هذه العمليات، مهما كانت مكثفة، فلن تؤدي وحدها إلى زعزعة النظام الفنزويلي، الذي أثبت خلال العقد الماضي قدرته على الصمود أمام ضغوط سياسية واقتصادية غير مسبوقة.
بين الضغوط القانونية الداخلية، والانقسام السياسي في الكونغرس، والتوتر مع شركاء إقليميين، يجد الرئيس ترمب نفسه أمام اختبار دقيق: المضي في خيار عسكري محفوف بالمخاطر، أو الاكتفاء باستمرار الضربات الجوية على القوارب.

