جددت مصر تحذيرها من تأثير العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة والمنطقة، على السلام القائم بين البلدين نحو 5 عقود، وذلك في أعقاب اتهامات إعلامية متبادلة بمخالفة اتفاقية «السلام» الموقعة بين البلدين عام 1979.
وقال مندوب مصر لدى مجلس الأمن الدولي، السفير أسامة عبد الخالق، في كلمة له، مساء الثلاثاء، حول الأوضاع في الشرق الأوسط، إن عمليات إسرائيل العسكرية في قطاع غزة «تهدد السلام القائم منذ 5 عقود بشكل لا يمكن تصور مخاطره على المنطقة بأسرها».
وأضاف: «إسرائيل تسعى لتهجير جزء كبير من سكان قطاع غزة عبر عمليات عسكرية، وتجويعهم، والقضاء على مقومات الحياة، وهي الخطوات التي ترفضها مصر تماماً».
وتجمع مصر وإسرائيل اتفاقية سلام تم التوقيع عليها في 26 مارس (آذار) 1979 بين الرئيس المصري الراحل أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك مناحم بيغن، بموجب معاهدة «كامب ديفيد» عام 1978، وبوساطة أميركية أنهت حالة الحرب بين البلدين، مع ترتيبات أمنية جرى الاتفاق عليها.
وجاء الموقف المصري الأخير، بعد أيام من تحذير مماثل للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في أثناء قمة الدوحة في وقت سابق هذا الشهر، مطالباً إسرائيل بـ«أن تدرك أن السلام لا يمكن أن يتحقق من خلال التصعيد العسكري، وأن سلوكها المنفلت ستكون له تبعات خطيرة على الأمن الدولي».
وتتضمن الخطابات المصرية الرسمية الأخيرة رسائل استباقية تحذيرية لإسرائيل مع إصرارها على تنفيذ مخططات التهجير، والتأكيد على أن «ردة الفعل المصرية ستكون على مستوى الخطر الذي قد تتعرض له البلاد»، وفقاً لخبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، غير أن هؤلاء أكدوا أيضاً تمسك مصر بالسلام.
وكان موقع «أكسيوس» الإخباري الأميركي، نقل عن مسؤولين إسرائيليين استنكارهم لـ«الحشد العسكري المصري في سيناء»، زاعمين أنه يأتي في مناطق «لا يُسمح فيها إلا بالأسلحة الخفيفة بموجب معاهدة السلام»، وأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو طلب من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الضغط على مصر لتقليص «التعزيزات العسكرية في سيناء».
وهو ما ردت عليه «الهيئة العامة للاستعلامات المصرية»، قبل أيام، مشيرة إلى «أن القوات المصرية في سيناء موجودة في إطار التنسيق المسبق مع أطراف معاهدة السلام، وأن مصر حريصة على استمرار معاهدة السلام، ولم تخرق معاهدة أو اتفاقاً في تاريخها».
ويرى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير رؤوف سعد، أن «مواقف مصر نابعة من رفضها لتهجير الفلسطينيين، وهي بمثابة رسائل للشعب الإسرائيلي بأن حكومتهم تضر بأمنهم، وكذلك فهي موجهة أيضاً للحكومة الإسرائيلية التي تهدف لخلق أمر واقع على الأرض في أسرع وقت، عبر تكثيف جرائم القتل والتجويع والتهجير داخل قطاع غزة».
وأوضح سعد لـ«الشرق الأوسط» أن مصر «ترى أنها أمام مرحلة مفصلية، وتعمل على تصعيد خطابها السياسي والتلويح بانهيار السلام لفرملة خطوات التهجير»، مضيفاً: «هناك خطوات عربية ممكنة يمكن اتخاذها في مواجهة المخططات الإسرائيلية بينها تجميد اتفاقيات السلام الإبراهيمية».
ورغم توتر العلاقات منذ اندلاع حرب 7 أكتوبر (تشرين الأول)، وما أعقبها من خلافات بين البلدين ترتب عليها عدم اعتماد القاهرة السفير الإسرائيلي الجديد، وعدم وجود سفير مصري لدى إسرائيل، فإن القاهرة ما زالت تحرص على أن تكون وسيطاً بين الفلسطينيين وإسرائيل.
وأكد السفير أسامة عبد الخالق، خلال كلمته أمام مجلس الأمن، أن «مصر حريصة على تجنب الاستفزازات والتصعيد، ومستمرة في جهودها مع الوسطاء لوقف إطلاق النار في غزة، ومستمرة في الجهود مع الوسطاء للتواصل لوقف إطلاق النار في قطاع غزة».
«مواقف مصر دقيقة ومدروسة، وتضع في اعتبارها أنها تتعامل مع دولة مارقة، ولديها رئيس وزراء مُصنف مجرمَ حرب، ورسائل قمة الدوحة ومجلس الأمن تحذر من إجهاض السلام في المنطقة، بل وسلام إسرائيل نفسها، لكن دون الوصول إلى نقطة التصعيد العسكري»، وفقاً لتصريح السفير رؤوف سعد.
وفي أغسطس (آب) الماضي، وصف الرئيس السيسي، لأول مرة، ما تقوم به إسرائيل في غزة من حرب تجويع بأنه «إبادة ممنهجة بغرض تصفية القضية الفلسطينية».
ومنذ مطلع شهر سبتمبر (أيلول)، تصاعد السجال بين مصر وإسرائيل في أعقاب تسريبات بإعلام عبري تتحدث عن اعتزام نتنياهو «عدم تمديد اتفاق الغاز مع مصر»، وحديث رئيس «هيئة الاستعلامات» في مصر، ضياء رشوان، في تصريحات متلفزة، عن عدم قدرته على تحمل خسائر ذلك.
وقال مستشار «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، عمرو الشوبكي، إن «رسائل مصر دفاعية، ولا توجد نية للقاهرة لإلغاء معاهدة السلام، وهو نفس الموقف من جانب إسرائيل، لكن المشكلة في أن حكومة نتنياهو التي تُصر على التهجير، بعيدة عن الموقف المصري الحاسم برفض السماح به، وتصعيد الخطاب يهدف لتأمين الحدود، وحماية مقتضيات الأمن القومي».
وأكد الشوبكي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «مخاطر التصعيد ستبقى قائمة ما دام الموقف الإسرائيلي مستمراً، وسيكون الرد المصري على مستوى الخطر الذي يهدد البلاد».