أصدر القائد العام للقوات المسلحة السودانية، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، سلسلة قرارات شملت تشكيل رئاسة جديدة لهيئة الأركان، وترقيات وإحالات للتقاعد لعدد من كبار الضباط، إلى جانب قرار آخر بإخضاع القوات المساندة للجيش لقانون القوات المسلحة.
وتبدو القرارات من حيث الشكل «روتينية» تحدث وفقاً للتقاليد الإدارية والتنظيمية للجيش السوداني كل عام، إلا أن توقيت القرارات وحجمها والثقل القتالي الكبير للضباط المحالين للتقاعد كل هذا يجعل من فصلها عن سياقات الحرب المستمرة منذ أكثر من عامين أكثر تعقيداً، إن لم يكن مثيراً للشكوك. وتطرح القرارات تساؤلاً أساسياً، حول ما إن كانت روتينية، أو أنها ترتبط بصراعات النفوذ داخل قيادة الجيش، وإبعاد ضباط يخشى أن يثير بقاؤهم في القيادة صراعات أو مواقف «سياسية»، تشكل خطراً على وحدة الجيش، والإتيان بموالين للقيادة.

وبحسب البيانات الرسمية التي صدرت تباعاً عن القيادة العامة الأحد والاثنين، فقد أبقى قائد الجيش على الفريق أول ركن محمد عثمان الحسين الحسن في منصب رئيس هيئة الأركان، فيما تم تعيين نواب لرؤساء الأركان للإمداد والتدريب والإدارة والعمليات، إلى جانب تغييرات في مواقع قيادية بسلاح الجو والدفاع الجوي والاستخبارات برتب اللواء وغيرها، كما تمت إحالة عدد من الضباط الكبار على التقاعد بعد ترقيتهم إلى رتبة فريق أول.
ورغم أن الجيش أكد أن هذه الإجراءات روتينية وتتم وفقاً لقانون القوات المسلحة ولوائح الخدمة، فإن توقيتها وحجمها أثارا نقاشاً واسعاً، فالخبير الأمني اللواء المعتصم عبد القادر أكد أن الإحالات روتينية، «لكن لأنها تراكمت لثلاث سنوات لأسباب مختلفة، بدا العدد كبيراً ومثيراً للانتباه».
وقال لـ«الشرق الأوسط»، إن «الحرب مثلت اختباراً حقيقياً لقدرات الجيش، لذلك جاءت هذه الإحالات والترقيات مختلفة عن الأوضاع العادية، لكنها لن تؤثر على سير العمليات، إذ إن مَن أُحيلوا أخفقوا أو أنهم من رتب غير مؤثرة ميدانياً»، مضيفاً أن «مثل هذه القرارات تمنع التكلس في الوحدات، وتوقف التذمر وسط الرتب الأصغر المتطلعة للترقيات، وهذا حقها».

لكن اللواء المتقاعد كمال إسماعيل ورئيس المكتب التنفيذي لـ«التحالف الوطني السوداني» ذهب أبعد من ذلك، واعتبر قرارات البرهان بمثابة «جس نبض لتأثير الإسلاميين داخل الجيش»، مؤكداً أن «معظم الضباط الذين أُحيلوا للتقاعد محسوبون على تيار الإخوان المسلمين».
وقال اللواء إسماعيل لـ«الشرق الأوسط» إن «ضغوطاً غربية وأميركية لعبت دوراً في هذه القرارات لمنع عودة الإسلاميين إلى الحكم»، وحذر من أن غياب السند العسكري القوي للبرهان قد يقود إلى «كارثة».
ويرى مراقبون أن التغييرات الأخيرة «لا يمكن فصلها عن صراع أوسع داخل الجيش بين أجنحة متعددة، من بينها ضباط محسوبون على الإسلاميين ظلوا يتمتعون بنفوذ داخل المؤسسة العسكرية منذ عهد الإنقاذ».
وتذهب بعض التقديرات إلى أن الإحالات «تهدف إلى إبعاد هذا التيار تحديداً من مواقع القرار، في ظل ضغوط دولية وإقليمية لإعادة الجيش إلى موقع أكثر مهنية وحياداً».

أما قرار البرهان بإخضاع جميع القوات المساندة للجيش، بما فيها التشكيلات المستقلة، لقانون القوات المسلحة لتصبح تحت إمرة القيادة العسكرية في مختلف المناطق، فقد أثار هو الآخر جدلاً واسعاً.
وحذر اللواء المتقاعد إسماعيل من أن يقود قرار الإخضاع لمواجهات داخلية، بقوله: «هذه التشكيلات لا تلتقي على هدف واحد، بعضها يقاتل من أجل أهداف سياسية أو من أجل السلطة والثروة، مثل كتائب البراء بن مالك الإسلامية، وبعض الحركات المسلحة، وهي لن تقبل بالعمل تحت منظومة الجيش»، وتابع: «غياب وحدة القيادة والسيطرة قد يفتح الباب أمام صدامات محتملة بين هذه المجموعات».
أما القيادي في تحالف «صمود» ورئيس «حزب البعث السوداني» كمال بولاد فاعتبر وضع القوات المساندة تحت قانون الجيش «خطوة في الاتجاه الصحيح»، مشترطاً أن «تقترن بإصلاحات في المؤسسة العسكرية، تهدم ثقافة تسييسها»، وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «سياسة التسييس أضرت بكل القوات النظامية، مثلما أضرت بمستقبل السودانيين طيلة حقبة الإنقاذ وما قبلها».

ووفقاً لمحللين آخرين، يُخشى حدوث مواجهات مسلحة داخلية بين بعض التشكيلات، مثل «كتائب البراء» أو فصائل من الحركات المسلحة، التي قد ترفض الخضوع، ما يفتح الباب لصدام مع الجيش، أو أن تؤدي لتفكك التحالفات المؤقتة، خصوصاً أن الكثير من هذه القوات يقاتل تحت شعارات سياسية أو بحثاً عن مكاسب، وقد ينسحب أو يتمرد إذا شعر بفقدان استقلاليته.
ويقول المراقبون أيضاً إنه «يمكن أن تؤدي محاولات فرض القانون بالقوة على هذه القوات إلى تعميق الشكوك من محاولات عسكرة المشهد السياسي، بدلاً من تقليصه، خاصة إذا تم تفسيره على أنه إبعاد لتيارات معينة مثل الإسلاميين والموالين لهم، ما قد يزيد حدة الاستقطاب داخل الوحدات التي تقاتل بصف الجيش».

ويخلص هؤلاء إلى أن قرارات البرهان تحمل وجهين: «فهي من ناحية إجراءات تنظيمية كانت مؤجلة وتراكمت لسنوات، ومن ناحية أخرى هي خطوة سياسية لإعادة تشكيل قيادة الجيش، وتوحيد مركز القرار العسكري، بما يتناسب مع الحرب المستمرة منذ أكثر من عامين، ومع توازنات القوى الداخلية والخارجية، بما في ذلك ملف الإسلاميين في المؤسسة العسكرية».