استخدمت أوكرانيا للمرة الأولى صاروخ كروز محلي الصنع (FP-5 Flamingo) لضرب أراضٍ روسية، بحسب تقرير لصحيفة “ذي إكونوميست”، والذي قال محللون إنه أظهر قدرة ضاربة تقارن بصاروخ “توماهوك” الأميركي، ما يمثّل قفزة كبيرة في قدرة أوكرانيا على الضربات بعيدة المدى.
وأشارت “ذي إكونوميست” إلى أن أوكرانيا نشرت صاروخ كروز الجديد Flamingo في ضربة ضد أهداف روسية، في أول استخدام معروف للنظام في القتال.
وقد صُمّم الصاروخ لضربات بعيدة المدى وذات تأثيرٍ عالٍ، ويقارب في نطاق تدميره وحمولته صاروخ “توماهوك” (Tomahawk) الأميركي، معتمداً في المقابل على توجيه أبسط ومكونات أقل كلفة، وفق لموقع Army Recognition.
مواصفات الصاروخ Flamingo
يبلغ أقصى مدى لصاروخ Flamingo نحو 3 آلاف كيلومتر، ويحمل رأساً حربياً بوزن 1150 كيلوجراماً، وبنمط طيران منخفض الارتفاع يقارب 50 متراً فوق سطح الأرض، كما أن تحليقه على متجهات متغيرة باستمرار يصعّب كشفه واعتراضه، ما قد يُغرق أنظمة الرادار التقليدية ويفرض تحديات جديدة على مشغلي الدفاع الجوي الروسيين.
صاروخ Flamingo الذي طوّرته شركة Fire point الأوكرانية، يستخدم محركاً توربينياً مروحياً أُعيد تهيئته من عتاد سوفييتي سابق، مُثبتاً على هيكل من ألياف الكربون يُقال إنه يمكن تصنيعه خلال 6 ساعات فقط. وتوازن هذه المقاربة بين الأداء وسرعة الإنتاج وتكلفته المنخفضة.
وتنتج الشركة حالياً صاروخين إلى 3 صواريخ يومياً، مع خطط لزيادة الإنتاج إلى 7 صواريخ بنهاية الشهر.
وتبلغ كلفة كل صاروخ نحو 500 ألف دولار، وهو جزء بسيط من كلفة صواريخ كروز الغربية المماثلة. وتُعد هذه القدرة على الإنتاج منخفض الكلفة محور استراتيجية أوكرانيا الجديدة التي تُطلق عليها “اقتصاديات الاستنزاف”، التي تركز على الإنتاج الضخم والكميات الكبيرة بدلاً من أنظمة الدقة المُكلفة.
وإذا صحت هذه الأرقام، فإن FP-5 Flamingo يمنح أوكرانيا قدرة ضاربة عميقة غير مسبوقة ضمن ترسانتها، إذ أن مزيج الحمولة الثقيلة والنطاق البعيد وتصميم التوجيه المبسّط يجعلانه سلاحاً مهيّأً لضرب أهداف استراتيجية شديدة التأثير مثل المصانع ومستودعات الذخيرة ومراكز اللوجستيات البعيدة عن خط المواجهة. وتشير مؤشرات أولية إلى استخدام الصاروخ ضد أهداف في شبه جزيرة القرم ومنطقة بيلجورود، رغم أن تقييمات الأضرار الموثّقة تبقى محدودة.
صاروخ منخفض التكلفة
وبالمقارنة مع نظائره الغربية يتضح موقع Flamingo الاستراتيجي، إذ أن صاروخ Tomahawk Block V الأميركي له مدى يقارب 1600 كيلومتر ويحمل رأساً حربياً بوزن يقارب 450 كيلوجراماً.
ورغم دقته العالية وترابطه الشبكي وكفاءته القتالية، فإن كلفة Tomahawk تتراوح تقريباً بين 1.5 و2 مليون دولار، أي بأربع أضعاف تكلفة Flamingo.
وفي مقابل تكلفته الأعلى، يوفر Tomahawk توجيهاً دقيقاً، ومقطعاً عرضياً رادارياً منخفضاً، وقدرة متقدمة على إعادة برمجة الهدف، ما يُمكن من توجيه ضربات دقيقة ضد الأصول عالية القيمة.
وعلى النقيض، يُعطي صاروخ Flamingo الأوكراني الأولوية للقوة التدميرية والمدى والتكلفة المعقولة على حساب تطور أنظمة التوجيه، وتسمح بساطة الصاروخ بتصنيعه بأعداد أكبر ونشره بمرونة أكبر.
ويَرجّح محللون أن هجوماً مكثفاً بصواريخ Flamingo قد يجبر الدفاعات الجوية الروسية على تحويل مسار صواريخ الاعتراض باهظة الثمن التي تتجاوز تكلفتها بكثير تكلفة السلاح الذي تهدف إلى تدميره.
وفي أوروبا، يتميز صاروخ Flamingo أيضاً عن الصواريخ المتطورة، مثل صاروخ Storm Shadow الأنجلو-فرنسي، وصاروخ Taurus KEPD 350 الألماني-السويدي.
وصُمّم صاروخ Storm Shadow المزود برأس حربي من طراز BROACH وبوزن 450 كيلوجراماً، وبمدى نحو 560 كيلومتراً، لتوجيه ضربات دقيقة على الأهداف المحصنة. وتعكس تكلفته المقدَّرة بأكثر من مليون دولار للوحدة، تطور توجيهه، وقدرته على التخفي وموثوقيته.
بينما يوفر صاروخ Taurus الأكبر حجماً والأثقل وزناً بقليل مدى يصل إلى 500 كيلومتر برأس حربي ثنائي المراحل مصمم لاختراق الهياكل المحصّنة قبل الانفجار.
ويتميز كلا النظامين الأوروبيين بالدقة والتخفي والقدرة على البقاء، لكنهما يفتقران إلى المدى الهائل والقدرة التدميرية لصاروخ Flamingo.
فيما يُعتبر صاروخ AGM-158 JASSM-ER الأميركي سلاحاً جوياً دقيقاً رئيسياً يبلغ مداه بين 900 و1000 كيلومتر تقريباً، ويحمل رأساً حربياً خارقاً وزنه 450 كيلوجراماً، ويتجاوز سعره 1.2 مليون دولار، ولكنه يبقى من أكثر صواريخ كروز قدرة على الصمود في العالم، بفضل هيكله منخفض الرصد ونظام توجيهه متعدد المستشعرات.
ولا يقارن صاروخ Flamingo بدقة أو قدرة JASSM-ER، لكن نسبة التكلفة إلى الأثر ومداه قد تجعله صاحب تأثير استراتيجي مُزعزع، خاصة إذا استمر في الإفلات من الاعتراض.
تصنيع شامل بأسعار معقولة
تتماشى مقاربة أوكرانيا مع اتجاهات غربية ناشئة نحو “التصنيع الشامل بأسعار معقولة”، فوزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون) تسعى إلى تطوير أسلحة دقيقة أقل كلفة مثل مفهوم ذخيرة الهجوم بعيدة المدى (LRAM) إلى جانب نظم متقدمة مثل JASSM وTomahawk.
وتهدف هذه البرامج إلى خلق خيارات هجومية قابلة للاستبدال بكميات كبيرة دون استنزاف مخزون الصواريخ الدقيقة المكلفة.
ويحقق نموذج إنتاج شركة Fire Point هذا التوازن بشكل طبيعي من خلال التصنيع السريع، وإعادة توظيف المكونات، وتبسيط التوجيه مما يجعل الاستخدام واسع النطاق قابلاً للتطبيق.
ومن الناحية الاستراتيجية، يحمل نشر Flamingo تداعيات كبيرة على الجانبين، فبالنسبة لأوكرانيا، يمثّل هذا تحولاً نحو القدرة على ضربة مستقلة تقلّل الاعتماد على منظومات غربية، وتبرز صناعة دفاع محلية قادرة على إنتاج ذخائر بعيدة المدى بدقة وعلى نطاق واسع. أما بالنسبة لروسيا، يطرح تهديداً جديداً للبنية التحتية الحيوية في مناطقها الغربية، مجبراً إياها على إعادة تخصيص موارد الدفاع الجوي ورفع تكلفة العمليات في المناطق الخلفية.
وقد تعيد القدرة على ضرب عمق روسيا تشكيل المشهد الدبلوماسي أيضاً، ولطالما سعت الحكومات الغربية إلى موازنة دعم أوكرانيا مع المخاوف من التصعيد، وإدخال صاروخ محلي قادر على الوصول إلى موسكو وما بعدها يعقّد هذه المعادلة.
وعملياً، سيتعيّن على روسيا التكيّف بسرعة عبر تعزيز تغطية الرادارات على ارتفاعات منخفضة، وتسريع تنسيق الصواريخ الاعتراضية، وتعزيز الحرب الإلكترونية لمواجهة المسارات غير المتوقعة لصاروخ Flamingo.
في المقابل، ستعتمد نجاحات أوكرانيا على تأمين إمدادات ثابتة من المحركات وأجهزة التوجيه الإلكترونية، وحماية مواقع الإنتاج من ردود فعل انتقامية روسية.
وستحدد الأسابيع المقبلة ما إذا كان صاروخ كروز FP-5 Flamingo سيبقى “ظاهرة عابرة” أم يتحول إلى “إضافة دائمة” لقدرات الهجوم بعيدة المدى لدى أوكرانيا.
وإذا استمر الإنتاج بالمعدل المتوقع وأثبت الصاروخ أداءً متسقاً، فقد يصبح حجر الزاوية في حملة كييف للضربات العميقة، مع إمكانية تعديل مجريات الصراع وإعادة تشكيل ديناميكيات الدفاع الجوي الإقليمية.