
حسين زلغوط
خاص_ موقع “رأي سياسي”:

في لحظة سياسية تتسم بالتصعيد المتبادل وتباين الحسابات بين القوى اللبنانية، اختار رئيس مجلس النواب نبيه بري توجيه رسالة واضحة المعالم والوجهة خلال لقائه وفد مجلس نقابة محرري الصحافة اللبنانية برئاسة النقيب جوزاف القصيفي. لم يُخفِ الرئيس بري أنّ ما يتعرض له في الآونة الأخيرة يتجاوز حدود النقد السياسي المعتاد ليصل إلى ما وصفه بـ«غزوة» منظمة تستهدفه شخصياً على خلفية الخلاف حول قانون الانتخابات.
هذا الموقف ليس مجرد توصيف لغوي أو انفعال عابر، فالرجل، المتمرس في تفاصيل الحياة السياسية اللبنانية، يدرك أنّ اللغة تحمل دلالاتها وأن أي عبارة تصدر عنه تجد طريقها إلى التحليل والتأويل. فحين يقول إن «الشجرة المثمرة تُرشق بالحجارة»، فهو لا يكتفي بتبرير حجم الاستهداف، بل يضع إطاراً سياسياً يعكس استمرارية دوره وموقعه وثقل حركته داخل النظام السياسي، بالرغم من كل الضغوط ومحاولات التشكيك.
فقانون الانتخابات، الذي يشكل أحد المفاصل الأساسية لإعادة إنتاج السلطة، تحوّل مرة جديدة إلى ساحة اشتباك، الخلافات حول صيغته ليست تقنية فحسب، بل ترتبط بتوازنات القوى، وحسابات الكتل، ومخاوف بعض الأطراف من تراجع نفوذها أو صعود خصومها. في هذا السياق، يصبح استهداف الرئيس بري جزءاً من معركة أشمل تتداخل فيها الطموحات الانتخابية مع السعي لإعادة رسم خريطة النفوذ السياسي.
إن مواقف الرئيس بري تعكس أيضاً قناعة راسخة لديه بأن بعض الأطراف تحاول تصوير الخلاف على القانون وكأنه صراع شخصي، فيما يراه هو امتداداً لسجال سياسي له جذوره، ويدور حول شكل النظام التمثيلي وحدود المشاركة وآليات إنتاج السلطة المقبلة.
واللافت في هذا المجال كان قول بري إنه “لن يرد أبداً”، وهذا الامتناع عن الرد ليس انسحاباً من السجال، بل هو في السياسة شكل من أشكال الرد. فالصمت في مراحل معينة قد يكون تعبيراً عن ثقة بالنفس، وعن إدراك بأن الهجوم موجه من “طرف معروف” كما قال، هدفه الاستفزاز أكثر مما هو النقاش.
لقد وضع بري نفسه هنا في موقع من يراقب المشهد من موقع عال، من دون أن ينجرّ إلى سجالات يراها غير مفيدة أو معدّة سلفاً. وهذه المقاربة غالباً ما يعتمدها في مراحل التوتر، حين يكتفي بإرسال إشارات مدروسة بدل الدخول في سجال مباشر.
لا شك أن موقف بري يأتي في مرحلة حساسة تعيشها البلاد: توتر سياسي متزايد، ومخاوف من حرب إسرائيلية جديدة. وفي ظل هذا المشهد المعقد، يصبح القانون الانتخابي بكل تفاصيله ساحة تجاذب حول مستقبل الحكم والتمثيل.
ولأن الرئيس بري يُمسك بموقع أساسي في النظام السياسي، فإن أي نقاش حول القانون ينعكس عليه تلقائياً، سواء من باب المسؤولية أو من باب محاولة تحميله تبعات الانسداد. لذا، فإن ما وصفه بـ«الغزوة» قد يكون نتيجة لتقاطع مصالح بين أطراف وجدت في المرحلة فرصة لإعادة ترتيب مواقعها عبر الضغط عليه.

