توجه الناخبون اليابانيون إلى مراكز الاقتراع، الأحد، لاختيار نصف أعضاء مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية من البرلمان)، وسط تنافس شديد يمثل اختباراً حاسماً لرئيس الوزراء شيجيرو إيشيبا، الذي يواجه تحديات جراء ارتفاع الأسعار، ومخاوف تتعلق بالهجرة.
وفتحت صناديق الاقتراع أبوابها في الساعة السابعة صباحاً (22:00 مساء السبت بتوقيت جرينتش)، وتغلق في الساعة الثامنة مساءً (11:00 صباح الأحد بتوقيت جرينتش)، ومن المرجح أن تنشر وسائل الإعلام المحلية نتائج استطلاعات الخروج من التصويت بعد ذلك بوقت قصير.
وقالت “بلومبرغ”، الأحد، إن الناخبين سيصدرون حكمهم على رئيس الوزراء الياباني إيشيبا، بعد 10 أشهر من توليه منصبه، وسط استياء متزايد بشأن التضخم والمفاوضات التي لم تحسم مع الولايات المتحدة بشأن التعريفات الجمركية.
ويتنافس الحزب الديمقراطي الحر، بزعامة إيشيبا، وشريكه الأصغر في الائتلاف الحاكم حزب “كوميتو”، مع أحزاب المعارضة على 125 مقعداً في المجلس المكون من 248 عضواً.
ويهدف حزب إيشيبا إلى الفوز بـ50 مقعداً من تلك المقاعد للاحتفاظ بالأغلبية الإجمالية، وهو هدف قد يعني مع ذلك خسارة الائتلاف لما يصل إلى 16 مقعداً.
وقد يساعد تحقيق هذا الهدف المتواضع إيشيبا، في دعم زعامته في الوقت الراهن، لكن استطلاعات رأي تشير إلى أن الائتلاف الحاكم قد لا يحصل على الـ50 مقعداً اللازمة للاحتفاظ بالسيطرة على مجلس المستشارين في انتخابات التجديد النصفي.
وتظهر استطلاعات رأي، أن أحزاب المعارضة الأصغر التي تطالب بتخفيض الضرائب وزيادة الإنفاق العام من المتوقع أن تحقق مكاسب، ومن بينها حزب “سانسيتو” اليميني، الذي يتعهد بالحد من الهجرة، ومعارضة تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية، والتراجع عن سياسات المساواة بين الجنسين.
مخاوف من عدم الاستقرار
وهذه النتائج ربما تزيد من زعزعة استقرار حكومة الأقلية التي يقودها إيشيبا، ما قد يزيد من توتر المتعاملين في السوق، الذين يخشون من زيادة تخفيف قيود الخزينة العامة للبلاد إذا تقلصت سيطرته.
وأوضحت “بلومبرغ”، أن إيشيبا ليس في وضع يسمح له بالنجاة من خسارة كبيرة أخرى دون أن ضرر، بعد أن عانى بالفعل من هزيمة قاسية في انتخابات أكتوبر الماضي لمجلس النواب الأكثر قوة.
وفي حين لا يزال من المتوقع أن يظل الحزب الديمقراطي الحر، هو الحزب الأكبر، لكن الأداء الضعيف قد يجبر إيشيبا على الاستقالة، وهي نتيجة من شأنها أن تعرقل أجندته السياسية وتعقد المحادثات التجارية الجارية مع الولايات المتحدة.
وذكرت “بلومبرغ”، أن آخر ثلاثة رؤساء وزراء من الحزب الديمقراطي الحر، الذين خسروا أغلبية مجلس الشيوخ تنحوا في غضون شهرين.
وإذا استمر إيشيبا في منصبه، فمن المرجح أن يجبره ضعف الصلاحيات، على السعي للحصول على دعم من أحزاب المعارضة الأصغر لتمرير التشريعات، وقد يعني ذلك التوصل إلى تسوية بشأن قضايا رئيسية، تشمل خفض مؤقت لضريبة المبيعات يهدف إلى تخفيف أزمة غلاء المعيشة.
وفي حين أن التخفيض من المرجح أن يسعد المستهلكين الذين يعانون من ارتفاع الأسعار، إلا أنه قد يثير قلق المستثمرين القلقين بشأن قدرة الحكومة على السيطرة على ديونها.
ولا يستطيع المجلس الأقل نفوذاً، تعيين رئيس الوزراء أو إجراء تصويت بحجب الثقة أو وقف تمرير الميزانية، لكن يمكنه تأخير أو عرقلة تشريعات أخرى، اعتماداً على مستوى الدعم، ما قد يؤدي إلى جمود في عملية صنع السياسات.
تقدم أحزاب المعارضة
وأظهر استطلاع للرأي أجرته هيئة الإذاعة والتلفزيون اليابانية (NHK)، الاثنين الماضي، حصول الحزب الديمقراطي الحر على نسبة تأييد بلغت 24%، يليه الحزب الدستوري الديمقراطي بنسبة 7.8%، وحزب “سانسيتو” 5.9%، بينما حصل الحزب الديمقراطي من أجل الشعب على نسبة 4.9%.
وتدعو أحزاب المعارضة الثلاثة إلى جانب حزب تجديد اليابان إلى تخفيض ضريبة المبيعات، على الرغم من اختلاف الأحزاب بشأن مدى التخفيض ومدته وكيفية تمويله.
ويبدو أن تركيز الحزب الديمقراطي من أجل الشعب على زيادة الدخل، ورسالة حزب “سانسيتو” ذي الميول اليمينية “اليابانيون أولاً” تلقى صدى لدى الناخبين، حيث تظهر استطلاعات الرأي أن كلا الحزبين من المرجح أن يشهدا قفزة في عدد مقاعدهما.
مع ذلك، لا يزال التضخم هو القضية الأكثر إلحاحاً بالنسبة للناخبين، حيث ارتفع سعر الأرز، وهو الغذاء الأساسي في البلاد، بنحو ضعف سعره قبل عام وفقاً لأحدث البيانات الصادرة، الجمعة.
وارتفعت الأسعار الاستهلاكية الإجمالية بنسبة 3.3% في يونيو مقارنة بالعام السابق، في حين أظهر تقرير صدر في وقت سابق من الشهر انخفاض الأجور الحقيقية في يونيو بنسبة 2.9%، وهو مؤشر على أن الزيادات في الأجور تتخلف عن الأسعار.
ويعارض إيشيبا، خطط المعارضة لخفض الضرائب، قائلاً إن ذلك سيعرض مالية اليابان للخطر، وبدلاً من ذلك يتعهد بتقديم منحة نقدية لمرة واحدة بقيمة 20000 ين (135 دولاراً). وأظهرت استطلاعات الرأي بشكل عام أن الجمهور يفضل خفض الضرائب على دفع مبلغ لمرة واحدة.
وأثارت إمكانية التخفيضات الضريبية، حالة من عدم الارتياح في الأسواق، حيث ارتفعت العوائد على الديون اليابانية مؤخراً إلى أعلى مستوى لها منذ أكثر من عقدين.
ويأتي تركيز الأسواق الشديد على اليابان وسط توتر عالمي بشأن اتساع العجز المالي، والحاجة إلى محاسبة الحكومات على الإنفاق الذي يتجاوز إمكانياتها.
تنازلات سياسية
ويتوقع محللون، أن يهز الأداء الضعيف للائتلاف الحاكم، ثقة المستثمرين في رابع أكبر اقتصاد في العالم، ويعطل المحادثات التجارية الحاسمة مع الولايات المتحدة.
وقال رينتارو نيشيمورا، وهو شريك في “آسيا جروب” (Asia Group) الاستشارية في اليابان، إن إيشيبا قد يضطر إلى الاختيار بين إفساح المجال لزعيم جديد للحزب الديمقراطي، أو السعي لتأمين دعم بعض أحزاب المعارضة من خلال تقديم تنازلات سياسية.
وأضاف: “يتطلب كل سيناريو من الحزب الديمقراطي الحر، وحزب كوميتو تقديم تنازلات محددة، وسيكون الأمر صعباً، لأن أي شريك محتمل لديه نفوذ في المفاوضات”.
وبعد الانتخابات، تواجه اليابان موعداً نهائيا في مطلع أغسطس المقبل للتوصل إلى اتفاق تجاري مع الولايات المتحدة، أو مواجهة رسوم جمركية قاسية في أكبر أسواقها التصديرية. ويمكن لأي رسوم مضادة على الواردات أن تُثقل كاهل الاقتصاد، وتزيد من الضغط على الحكومة لتقديم إعانات مالية للأسر التي تعاني بالفعل من التضخم.
وفي ظل التركيز على سوق السندات الحكومية المتوترة، دعا الحزب الديمقراطي الحر إلى ضبط النفس في القطاع المالي، رافضاً دعوات المعارضة لإجراء تخفيضات ضريبية كبيرة، والإنفاق على الرعاية الاجتماعية لتخفيف وطأة الأزمة.
وكانت حكومة إيشيبا، خسرت أغلبيتها في مجلس النواب الأكثر قوة في أكتوبر من عام 2024، فيما يعتبر أسوأ أداء للحزب الديمقراطي الحر منذ 15 عاماً. وأثارت هذه النتيجة اضطراباً في الأسواق المالية، وجعلت رئيس الوزراء عرضة لطلبات حجب الثقة، التي يمكن أن تطيح بحكومته وتؤدي إلى إجراء انتخابات عامة جديدة.
وخضعت اليابان لحكم الحزب الديمقراطي الحر معظم فترة ما بعد الحرب، وتمكنت إلى حد كبير حتى الآن من تفادي الانقسامات الاجتماعية، والتشرذم السياسي الذي شهدته ديمقراطيات صناعية أخرى.