تنفق سويسرا، المعروفة بحيادها التاريخي، مئات الملايين من الدولارات لتحديث شبكتها الواسعة من الملاجئ الخاصة ومواقع الحماية المدنية، وذلك في ضوء تغير الوضع الأمني العالمي، وفق ما ذكرته صحيفة “واشنطن بوست”.
وفي عام 2026، من المقرر أن تدخل لائحة جديدة للحماية المدنية حيز التنفيذ، تنص على تحديث 200 ملجأ كبير بكلفة إجمالية تبلغ 276 مليون دولار على مدى 15 عاماً، كما سترتفع الرسوم التي يدفعها مطورو العقارات للسلطات المحلية لتمويل الملاجئ العامة من نحو ألف دولار إلى أكثر من 1700 دولار للشخص الواحد.
وبالتوازي، تعمل السلطات المحلية في مختلف الكانتونات السويسرية (بلدات على غرار الولايات) على تحديث أنظمة التهوية والتنقية في الملاجئ القديمة التي شارفت على نهاية عمرها التشغيلي البالغ 40 عاماً، وقال متحدث باسم الحكومة السويسرية إن صندوقاً بقيمة 1.2 مليار دولار خُصص لهذا الغرض على مدى 15 عاماً، ويمكن تسريع العمل عند الحاجة.
كما دعا الجيش السويسري الشركات الناشئة والمؤسسات المتخصصة إلى تقديم مقترحات لتحويل التحصينات العسكرية القائمة إلى “عُقد دفاعية يصعب اختراقها”، في إطار خطة لتحديث القدرات الدفاعية.
وتنتشر في أنحاء البلاد شبكة تضم نحو 370 ألف ملجأ خاص، يضمن كل منها مكاناً مخصصاً وسرياً لكل مواطن من سكانها البالغ عددهم نحو 9 ملايين نسمة، فيما تُخصص ملاجئ منفصلة لقوات الحماية المدنية والجيش.
ملاجئ لصراعات العصر الحديث
يأتي هذا التحديث في ظل الحرب الروسية في أوكرانيا، التي دشنت مرحلة جديدة من التسلح المتزايد في أوروبا، فقد بدأت دول مثل الدنمارك، والسويد، وفنلندا، وفرنسا، وبريطانيا في مراجعة قوانين التجنيد، وتعزيز الإنفاق الدفاعي، واختبار أنظمة الإنذار في حالات الطوارئ، وتحديث حملات التوعية العامة، وحث المواطنين على تخزين المواد الأساسية تحسباً للأزمات.
ورغم تمسك سويسرا بحيادها السياسي على مدى قرون، فإن الحق في الحصول على ملجأ شخصي منصوص عليه في القانون الفيدرالي للحماية المدنية الذي أُقر عام 1963.
وبحسب الحكومة السويسرية، يضم البلد نحو 370 ألف ملجأ، يقع معظمها داخل المباني السكنية، في حين خُصص نحو 1700 مرفق منها كمراكز قيادة، ومستشفيات ميدانية.
ويمكن استخدام هذه الملاجئ بشكل عادي لأغراض التخزين، لكنها تُشيد وفق معايير صارمة، إذ تُصنع جدرانها الخارجية من الخرسانة المسلحة، وتُزود بأبواب مقاومة للانفجارات، وأنظمة تهوية، ومخارج طوارئ، وغرف عزل هوائي مصممة لتحمل الهجمات النووية، أو البيولوجية، أو الكيميائية.
ورغم اختلاف أحجامها، يجب أن توفر الملاجئ متراً مربعاً من مساحة الأرضية، و2.5 متر مكعب من الحجم لكل شخص.
تحصين دفاعي
وفي الإطار، قالت سيلفيا بيرجر زياودين، أستاذة التاريخ السويسري والتاريخ المعاصر في جامعة برن، إن عقلية الملاجئ تمثل جزءاً من الهوية الوطنية لسويسرا، إذ تطورت منذ أواخر القرن الـ19 من استراتيجية “التحصين الوطني” الدفاعية التي شُيدت بموجبها الملاجئ في جبال سويسرا لصد الغزاة الأجانب، إلى مواجهة التهديدات النووية خلال الحرب الباردة.
وأضافت أن “مزيجاً من الإرادة السياسية والعوامل الخارجية ساهم في ازدهار شبكة الملاجئ في البلاد”.
وباع الجيش السويسري العديد من الملاجئ الكبيرة، بينما تحول بعضها إلى متاحف أو مزارع لزراعة الفطر أو مواقع لتخمير الجبن.
وبحسب زياودين فإن السلطات السويسرية، كادت أن تلغي في عام 2011 شرط بناء الملاجئ الشخصية، لكنها أعادت تفعيله بعد زلزال فوكوشيما في اليابان في العام نفسه، ثم الحرب في أوكرانيا.
وأوضحت زياودين أن السلطات السويسرية تعيد اليوم تصور شبكة الملاجئ القائمة لمواجهة ما تصفه بـ”الأزمات المتعددة”، حيث تتزامن التهديدات في وقت واحد، إلى جانب “تجدد التركيز على سيناريوهات الحرب”.
وقال دانيال جوردي، رئيس إدارة الحماية المدنية والتدريب في وزارة الدفاع والحماية المدنية والرياضة السويسرية، إن معظم الملاجئ الشخصية في البلاد تقع بالقرب من منازل السكان، لكن فريقه بدأ يفكر الآن في كيفية حماية الأشخاص الموجودين خارج منازلهم.
وأضاف: “يجب أن يواصل الاقتصاد عمله أثناء الحروب، فذلك ما نراه في جميع الصراعات اليوم.. هناك أشخاص مضطرون للذهاب إلى أعمالهم، وإذا كان المرء يعمل في مدينة كبيرة، وتعرضت لغارة جوية، كما يحدث حالياً في كييف، فلا بد من توفير نوع من الحماية لهؤلاء الأشخاص”.
وقال جوردي إن السلطات السويسرية تدرس أيضاً سبل استمرار عمل المدارس وتجنب إحداث صدمات أكثر من اللازم لدى الجيل الشاب، مشيراً إلى أن بلاده تتابع ما تفعله دول أخرى.
وقال جوردي إن الملاجئ، التي تُقدر كلفتها بنحو 1800 دولار للشخص الواحد على مدى 60 عاماً، توفر “تأميناً جيداً”. وأضاف: “إنها بنى تحتية ضخمة، لكنها في النهاية أقل كلفة من أي إجراءات أخرى يمكن اتخاذها لحماية السكان”.

