
كتب د. إبراهيم النحاس في صحيفة الرياض.
إن حكمة وعقلانية وبُعد نظر القيادة السياسية في المملكة مكَّنها، خلال تاريخها المديد، من توظيف علاقاتها الدولية المُتميزة، وخاصة مع الدول الرئيسية في العالم، لخدمة المصالح العليا لجميع الشعوب والدول العربية..
بقيمه الإسلامية السّامية، وعُروبته الأصِيلة، وحِرصه على صيانة الدماء وحماية الاعراض من التعدي عليها، وسعيه الدائم للمحافظة على الحقوق المشروعة للشعوب وفقاً للقيم والمبادئ الجليلة والقوانين والقرارات الدولية، تبنى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود – حفظه الله – قضية السودان، وجعلها أحد أهم الملفات الرئيسية التي ناقشها مع الرئيس دونالد ترمب، خلال زيارته التاريخية للولايات المتحدة الأمريكية في 17 – 18 نوفمبر 2025م. وهذه المساعي النبيلة، القائمة على أسس إسلامية وعربية أصيلة، أعلن عنها الرئيس ترمب، وبثتها وسائل الاعلام العالمية، ومنها BBC في 20 نوفمبر 2025م، وجاء فيها، الآتي: “أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، أنه سيعمل على إنهاء الفظائع المروعة في السودان بعد طلب قدمه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لوقف الحرب. وقال خلال مشاركته في منتدى أمريكي – سعودي للأعمال إن الأمير يريد مني القيام بشيء حاسم يتعلق بالسودان، موضحاً أن السودان لم يكن ضمن الملفات التي أنوي الانخراط فيها، وكنت أعتقد أن الوضع هناك تعمّه الفوضى وخارج عن السيطرة.”
وتقديراً لهذه المساعي النبيلة للقيادة الحكيمة في المملكة العربية السعودية الهادفة لوقف معاناة أبناء السودان، والمتطلعة لإحلال الأمن والسَّلام والاستقرار في جميع المناطق والأقاليم السودانية، بادرت دولة السودان بشكرها لهذه المساعي النبيلة، بحسب ما بثته وسائل الاعلام العالمية، ومنها CNN في 20 نوفمبر 2025م، التي جاء فيها، الآتي: “عقّب رئيس مجلس السيادة في السودان، عبدالفتاح البرهان، على ما طلبه ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، من الرئيس الأمريكي، دونالد ترمب، لإنهاء الصراع الدائر في السودان. وكتب تدوينة على صفحته بمنصة إكس، قال فيها: شكراً سمو الأمير محمد بن سلمان، شكراً الـرئيس دونالد ترمب. ونشر مجلس السيادة السوداني، بيانا قال فيه: ترحب حكومة السودان بجهود المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية من أجل إحلال السلام العادل والمنصف في السودان، كما تشكرهم على اهتمامهم وجهودهم المستمرة من أجل إيقاف نزيف الدم السوداني، وتؤكد استعدادها للانخراط الجاد معهم من أجل تحقيق السلام الذي ينتظره الشعب السوداني”.
وإذا كانت هذه المساعي النبيلة تُعبر بجلاء عن حرص المملكة العربية السعودية تجاه أمن وسلامة واستقرار دولة السودان ووحدة أراضيه، فإنها تأتي استكمالاً للجهود العظيمة التي بذلتها مُنذُ الأيام الأولى لبداية الخلافات السياسية والأمنية بين الأطراف السودانية، وهذا الذي أكد عليه “إعلان جدة”، الذي يثته وسائل الاعلام العالمية، ومنها (واس) في 12 مايو 2023م، وجاء فيه، الآتي: “صدر عن القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع “إعلان جدة”، وفيما يلي نصه: الالتزام بحماية المدنيين في السودان. وإدراكاً منا بضرورة تخفيف المعاناة عن كاهل شعبنا والناجمة عن القتال في السودان منذ (15 أبريل 2023م)، ولا سيما في العاصمة الخرطوم، وتلبيةً لمتطلبات الوضع الإنساني الراهن الذي يمر به المدنيون. واستجابةً منا لمناشدات الدول الشقيقة والصديقة عبر مبادراتها العديدة وعلى رأسها المبادرة السعودية الأمريكية. نؤكد نحن الموقعون أدناه، القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع من خلال هذا الإعلان التزاماتنا الأساسية بموجب القانون الدولي الإنساني لتيسير العمل الإنساني من أجل تلبية احتياجات المدنيين. ونؤكد التزامنا الراسخ بسيادة السودان والحفاظ على وحدته وسلامة أراضيه. وندرك أن الالتزام بالإعلان لن يؤثر على أي وضع قانوني أو أمني أو سياسي للأطراف الموقعة عليه، ولن يرتبط بالانخراط في أي عملية سياسية. ونرحب بالجهود التي يبذلها أصدقاء السودان الذين يسخّرون علاقاتهم ومساعيهم الحميدة من أجل ضمان احترام القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، بما في ذلك الالتزام بالإعلان وتنفيذه على الفور.”
وفي الختام، من الأهمية القول إنه في الوقت الذي تسعى وتعمل فيه المملكة العربية السعودية على خدمة مصالحها الوطنية وتعزيز علاقاتها الدولية، فإنها، في الوقت نفسه، تسعى وتعمل باحترافية عالية على خدمة المصالح العُليا للشعوب العربية وتعزيز الأمن القومي العربي على جميع المستويات. نعم، إن حكمة وعقلانية وبُعد نظر القيادة السياسية في المملكة العربية السعودية مكَّنها، خلال تاريخها المديد، من توظيف علاقاتها الدولية المُتميزة، وخاصة مع الدول الرئيسية في العالم، لخدمة المصالح العليا لجميع الشعوب والدول العربية.

