حسين زلغوط
خاص – “رأي سياسي”:

فور اغتيال هيثم علي الطبطبائي بدات الأسئلة والتساؤلات حول ما اذا كان هذا الاغتيال مقدمة لدخول حرب اسرائيلية جديدة ستشن على الجنوب والضاحية وربما لبنان بأكمله؟ أم أن ما حدث يدخل في إطار لعبة الرسائل المدروسة التي تتجنب الانفجار الشامل لكنها لا تمنع وقوعه؟
في الظاهر، المشهد شديد التوتر، فإسرائيل نفذت ضربة نوعية داخل منطقة يعتبرها “حزب الله” معقله الأشد تحصينًا. والحزب نعى قائداً بارزاً من الصف الأول، ما يرفع سقف التوقعات حول ردٍّ محتمل. لكن خلف هذا المشهد المتوتر توجد طبقات أعمق من الحسابات السياسية والأمنية التي يجب تحليلها بدقة كي نفهم ما إذا كانت الضاحية بالفعل مقبلة على التحول إلى بؤرة جديدة للحرب.
أولاً: لماذا يشكل هذا الاغتيال محطة خطيرة؟
لأن العملية جاءت في قلب الضاحية، وفي توقيت إقليمي معقد، ولأن الشخصية المستهدفة ليست مجرد عنصر ميداني بل قيادي يعتبره الحزب ركيزة أساسية في بنيته العسكرية. الضرب بهذا المستوى يفتح الباب أمام احتمال تغيّر قواعد الاشتباك: فإسرائيل أرادت القول إنها قادرة على اختراق ما كان يُعتقد أنه “المعقل الحصين”، وأنها مستعدة للذهاب بعيداً في عمليات الاستهداف النوعي.
من جهة الحزب، اغتيال بهذا الحجم لا يمكن أن يمر بلا حساب. فهو يمس هيبته وقوته، ويحرج قيادته أمام جمهوره، ويفتح باب الأسئلة حول مدى قدرته على حماية كوادره داخل مناطقه الأشد أمنًا. لكنه في الوقت نفسه يعرف أن أي ردّ كبير قد يفتح الباب لحرب واسعة لا يريدها.
ثانياً: هل الحرب وشيكة؟
ليس بالضرورة، فصحيح أن المشهد أخطر من قبل، لكن الحرب ليست حتمية.
أولاً ان “حزب الله” يدرك أن حرباً مع إسرائيل اليوم ستعني كارثة على لبنان، وسيكون من الصعب إدارة جبهة واسعة. الحزب عادةً لا يدخل حربًا شاملة من دون حسابات دقيقة للميدان والبيئة السياسية.
ثانياً: إسرائيل من جهتها قد تكون ترغب في توجيه ضربات قوية، لكنها ليست بالضرورة تريد الانزلاق إلى حرب مفتوحة، خاصة أمام جبهة تمتد من الجنوب حتى البقاع، فالحرب بالنسبة لتل أبيب مكلفة على الرغم من تفوقها العسكري.
وامام ما تقدم فنحن أمام مشهد “بين حربين”: تصعيد مدروس يهدف إلى إرسال رسائل ردعية، وقد يكون جزءاً من استراتيجية “الحرب بين الحروب” التي تعتمدها إسرائيل منذ سنوات. لكنها استراتيجية محفوفة بالمخاطر، فخطأ واحد أو رد غير محسوب قد يقود إلى انفجار شامل.
ثالثاً: ما الذي يجعل الضاحية تحديداً في قلب المعركة المحتملة؟
الضاحية ليست مجرد منطقة سكنية، إنها مركز ثقل سياسي وعسكري وإعلامي للحزب. أي ضربة داخلها تحمل رمزية مضاعفة، ولذلك يكون الرد عليها حساسًا. إذا تحولت الضاحية إلى ساحة مواجهة مفتوحة، فستكون الحرب ذات طابع جديد يختلف عن حروب الجنوب التقليدية، لأنها ستطال عمق البنية المدنية والمراكز الحيوية التي تشكل شريان الحياة لبيروت نفسها.
والمخاطر هنا لا تتعلق فقط بالصواريخ والضربات الجوية، بل بالقدرة على استمرار الخدمات الأساسية، حركة النزوح، تراجع النشاط الاقتصادي، والضغط الهائل على مؤسسات الدولة، وكلها عناصر تجعل أي تصعيد داخل الضاحية بمثابة تهديد وجودي للجمهور اللبناني كله، وليس فقط لجمهور الحزب.
رابعاً: ماذا عن خيارات “حزب الله”؟
ليس هناك مؤشرات قاطعة حول طبيعة الرد، لكن الخيارات تتراوح بين رد محدود يهدف إلى حفظ الهيبة دون فتح جبهة كبرى، أو رد نوعي مدروس خارج الأراضي اللبنانية، أو حتى التوجه إلى ضبط النفس مع التصعيد السياسي والإعلامي، ريثما تتضح صورة الميدان.
فالحزب يعرف أن أي رد مباشر وواسع قد يعطي إسرائيل مبرراً لشن حرب كبيرة، وفي الوقت نفسه، يعرف أن تجاهل الاغتيال سيضرب صورته، داخل بيئته، لذلك، يرجح أن يكون الرد محسوباً، وربما غير فوري، كي لا يقود إلى حرب لا يريدها في هذا التوقيت.
خامساً: ما الذي يجب أن يدركه اللبنانيون اليوم؟
أن الخطر حقيقي، لكنه ليس حتمياً. البلاد تقف عند حافة توازن دقيق بين تصعيد يمكن احتواؤه وتصعيد قد ينفلت من السيطرة. العوامل الإقليمية والدولية تلعب دوراً: إيران لا تريد حرباً الآن، الولايات المتحدة تفضل عدم الانزلاق الى حرب كبيرة، وأوروبا تخشى من أزمة جديدة في شرق المتوسط.
لكن كل هذه العوامل لا تُلغي احتمال “الحادث المفاجئ” الذي قد يشعل المنطقة، لذلك على اللبنانيين أن يستعدوا ذهنيًا لاحتمالات متعددة، وأن يدركوا أن الوضع قابل للتبدل بين ليلة وضحاها.

