الوعود الحكومية لمستأجري «الإيجار القديم» بمصر هل تحد من مخاوفهم؟
بعثت الحكومة المصرية مؤخراً بالعديد من «رسائل الطمأنة» إلى المستأجرين ممن ينطبق عليهم قانون «الإيجار القديم»، مفصلة بشكل دقيق الإجراءات المقرر اتباعها خلال الفترة المقبلة، مع تأكيدات على أنها «لن تترك مستحقاً دون سكن»، وفيما قدر البعض هذه الوعود الحكومية، شكك آخرون في قدرتها على «الحد من مخاوف المستأجرين».
وصدَّق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على القانون رقم «164 لسنة 2025» الخاص بـ«الإيجار القديم»، في 4 أغسطس (آب) الحالي، ودخل حيز التنفيذ في اليوم التالي، بعدما أثار حالة من الجدل على مدار شهور، ولم يتوقف الجدل حتى بعد صدور القانون، في ظل القلق من «قدرة الحكومة على توفير الوحدات البديلة»، ورفض المستأجرين للمادة الخاصة بتحرير العقد بينهم وبين الملاك بعد فترة انتقالية 7 سنوات لـ«السكني» و5 سنوات لـ«التجاري».
وخلال الفترة الانتقالية، نص القانون على رفع الإيجارات المتدنية حالياً، التي تبلغ بضع جنيهات في كثير من المناطق، 20 ضعفاً بحد أدنى ألف جنيه (نحو 20 دولاراً) في الأحياء المتميزة، و10 أضعاف في الأحياء المتوسطة والاقتصادية بحد أدنى 400 و250 جنيهاً على التوالي، على أن تُشكل «لجان حصر في كل محافظة لتقسيم المناطق».
وأوضحت الحكومة على نحو مفصل، آلية تشكيل هذه اللجان، التي ستعد أولى خطوات البدء في تطبيق القانون، بالتزامن مع إطلاق منصة من قِبَل وزارة الإسكان لاستقبال طلبات المستأجرين لتوفير وحدات بديلة لهم. وذكرت أنه «سيتم تطبيق القانون بتدرج».
وطمأن وزير الشؤون النيابية والتواصل السياسي المصري، محمود فوزي، المستأجرين، مساء الأربعاء، بشأن «حيادية» هذه اللجان، قائلاً إن «رئيس الحكومة سيصدر قراراً بقواعد ونُظم عملها على مستوى ربوع البلاد». وأوضح أنه «لن يسمح للمشتركين في عضوية هذه اللجان أن يكون لهم أقارب من الدرجة الأولى في المناطق التي تخضع لاختصاصهم، وسوف يتم توقيع إقرارات قانونية بذلك»، مشيراً إلى أن «تشكيلها متنوع وليس من جهة واحدة، ورئيسها أحد شاغلي الوظائف القيادية في المحافظة، ويوجد بها ممثلون عن الإسكان والهيئة العامة للمساحة، والضرائب العقارية، وبالتالي يوجد لدينا أكبر قدر من الدقة والمعلومات».
وأشادت عضوة مجلس النواب المصري (البرلمان)، فريدة الشوباشي، بجهود الحكومة لطمأنة المستأجرين، قائلة لـ«الشرق الأوسط»: «الحكومة تصدت لمشكلة لم تكن هي السبب فيها، عرَّضت المُلاك لظلم جعل بعضهم يعيش على الفتات رغم أنهم أصحاب أملاك»، معتبرة أن «الدولة تُكرم حالياً قاطني الإيجارات القديمة بتوفير مساكن بديلة لهم، وتتحمل هي هذا العبء»، معتبرة ذلك انعكاساً لـ«انحيازاتها الاجتماعية التي ظهرت في كثير من الأوقات خصوصاً في قانون الإيجار القديم الذي كان يحتاج إلى نظرة مجتمعية عميقة عند التعامل معه».
لكن أستاذ علم الاجتماع السياسي، عمار علي حسن، شكك في «قدرة المحاولات الحكومية على طمأنة المستأجرين وامتصاص غضبهم»، قائلاً لـ«الشرق الأوسط» إن «الحكومة عالجت خطأ تاريخي مزمن بخطأ أشد فداحة»، مشيراً إلى أن «كل ما تقدمه من تعهدات بتوفير سكن بديل يقابل بأزمة ثقة لدى المواطنين، سواء في قدرة الحكومة على توفير التمويل لهذه الوحدات أو في التزامها بها».
وشددت الحكومة في مناسبات عدة على قدرتها على توفير الوحدات البديلة، وقال وزير الشؤون النيابية، الأربعاء، إنهم وضعوا آلية أخرى إلى جانب المنصة التي تستقبل عليها الحكومة طلبات الوحدات، «للأهالي غير القادرين على التعامل مع التكنولوجيا، بإرسال طلبهم عبر البريد». وشدد على أنه «سيتم البت في الطلبات وفق معايير واضحة ومعلنة. والدولة ستطرح أكثر من مستوى من المساكن وليس مستوى واحداً». ولفت أيضاً إلى حرص الحكومة على عدم الانتظار مهلة السبع سنوات لتسليم الوحدات، بل العمل على ذلك في أقرب وقت ممكن، ربما خلال عام.
وأشار إلى أن «الأسعار التي ستطبق خلال هذا البرنامج ليست بالضرورة أسعار الإسكان الاجتماعي نفسها، لأن الغرض من هذا القانون مختلف (…) وهذا لكي يطمئن المواطنون».
ويحتاج المتقدم لتملك وحدة في «الإسكان الاجتماعي» لـ«محدودي الدخل» إلى دفع مقدم حجز يبلغ نحو 50 ألف جنيه (الدولار يساوى 48.5 جنيه في البنوك المصرية)، ولا يضمن ذلك حصوله على الوحدة التي تخضع لنظام «القُرعة» و«بعض الشروط الأخرى».
كما تطرق الوزير المصري إلى فكرة «الإخلاء القصري أو الطرد» من الوحدات بعد مرور الفترة الانتقالية، مؤكداً أن «الحكومة لن تتدخل لإخلاء الوحدات، وأن ذلك يتطلب رفع دعوى قضائية من المالك يطلب استرداد الوحدة، حال لم يتوصل إلى تفاهم مع المستأجر»، قائلاً: «معنى تحرير العلاقة، لا يعنى أبداً الطرد أو الإخلاء، إنما يعنى دعوة للاتفاق حول الأجرة والمدة، وإذا حصل الاتفاق فالحكومة والدولة ليس لهما أي مصلحة في التدخل في هذه العلاقة».
وبينما شدد وزير الشؤون النيابية المصري على أنه «لا يمكن للدولة أن تسمح بأن يُترك أي مواطن بلا مأوى».
«لم تنجح التطمينات الحكومية في الحد من مخاوف المستأجرين»، وفق رئيس «ائتلاف المستأجرين»، شريف الجعار، الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إنهم «ليست لديهم ثقة في هذه الوعود، ولا يعتقدون أن الحكومة قادرة على توفير وحدات بديلة في مناطقهم نفسها».