حسين زلغوط – خاص “رأي سياسي”:

تحوّلت الأملاك البحرية العامة في لبنان، التي يُفترض أن تكون من حقّ جميع المواطنين، إلى مساحات محتكرة ومحميات خاصّة للنافذين والمتنفّذين السياسيين والاقتصاديين. ما كان ملكًا عامًا، صار بحكم الواقع استثمارًا خاصًّا، وغالبًا مخالفًا للقانون، في مشهدٍ يعكس بوضوح غياب الدولة وتواطؤ بعض مسؤوليها.
رغم أن الدستور اللبناني والقوانين المرعية الإجراء، وخصوصًا المرسوم الاشتراعي رقم 144 الصادر عام 1925، ينصّان صراحةً على أن الأملاك البحرية العامة هي ملكٌ مشترك لا يُمكن تمليكه أو استثماره دون إذنٍ واضح ووفق شروط محدّدة، إلّا أن الواقع على الشاطئ اللبناني يقول شيئًا آخر؛ فمن أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، يحتلّ المستثمرون والمتنفّذون مساحاتٍ شاسعة من الشاطئ، سواء عبر منتجعاتٍ فاخرة، أو مطاعم خاصّة، أو نوادٍ مغلقة. وغالبًا ما تتمّ هذه التعديات من دون تراخيص قانونية، أو عبر تراخيص مشكوك في قانونيتها، تمنحها الوزارات المختصّة إمّا عن طريق الاستنسابية أو بفعل ضغوطٍ سياسية.
وممّا لا شكّ فيه أن معظم التراخيص الممنوحة لاستثمار الأملاك البحرية تمّت بطرقٍ غير شفافة، وغالبًا ما كانت تعويضاتها للدولة رمزية مقارنةً بالأرباح الضخمة التي يجنيها المستفيدون منها، حيث تُقدّر بعض الدراسات قيمة التعديات على الأملاك البحرية بمليارات الدولارات، فيما تعاني خزينة الدولة من عجزٍ مزمن.
ورغم ذلك، فالدولة تتغاضى عن هذه المخالفات بشكلٍ مريب، وهي مسؤولة مباشرةً عن تحويل المرفق العام إلى حديقةٍ خاصّة للنافذين. فالمسألة ليست فقط تعديًا على الأملاك، بل هي تعدٍّ على العدالة والعدالة الاجتماعية، إذ يُحرَم المواطن العادي من الوصول إلى البحر، وهو حقّ طبيعي ودستوري.
وعلى مرّ السنوات الفائتة، صدر عددٌ من التقارير الرسمية، أبرزها من ديوان المحاسبة والتفتيش المركزي، والتي توثّق عشرات المخالفات، ولم يُحاسب أيّ مسؤول أو مستثمر بشكلٍ فعلي، بحيث إنّ بعض القرارات القضائية بقيت حبرًا على ورق، وأخرى جُمّدت بفعل الضغوط.
في المقابل، تزداد الدعوات من نوّاب، وشخصيات، ومنظمات المجتمع المدني، والجمعيات البيئية إلى فتح هذا الملفّ على مصراعيه، ومساءلة جميع المتورّطين فيه، واسترداد الأملاك العامة لصالح المواطنين. ويطالب ناشطون بإعداد مسحٍ شامل للتعديات، وتحديد المسؤوليات، وإلغاء كلّ التراخيص غير الشرعية، وكلّ ذلك يذهب أدراج الرياح.
وهنا لا بدّ من السؤال: من المسؤول؟ هذا الملف يشترك فيه أكثر من جهةٍ رسمية، منها: وزارة الأشغال العامة والنقل، المديرية العامة للنقل البرّي والبحري، وزارة البيئة، البلديات، والمجلس الأعلى للتنظيم المدني.
هذا التداخل في الصلاحيات، وغياب سلطة مركزية موحّدة، يفتح الباب أمام الفوضى والتسيّب، ويجعل من المساءلة أمرًا شبه مستحيل.
نختم لنقول: إنّ قضيّة الأملاك البحرية ليست مجرّد صراعٍ على شاطئ، بل هي مرآةٌ لنهجٍ طويلٍ من الفساد والمحسوبيات وسوء الإدارة، واستعادة هذا الحق لا تتطلّب فقط قراراتٍ إدارية، بل إرادةً سياسيةً وشعبيةً تكسر الحلقة المفرغة من التواطؤ والصمت.
فهل يتحرّك القضاء؟ وهل تستعيد الدولة ما هو من حقّ الناس؟