أشعل موضوع تعديل قانون الانتخابات لجهة المادة المتعلقة باقتراع المغتربين الجلسة التشريعية التي انعقدت امس في مجلس النواب، حيث عكست المواقف النيابية الشرخ السياسي الموجود، واستحالة التفاهم على هذا الملف.
وقد اعاد الانقسام تحت قبة البرلمان الحديث عن تمديد ولاية مجلس النواب اللبناني إلى الواجهة. هذه المرة، ليس فقط بقرار داخلي تتذرّع به الكتل النيابية بالظروف الاستثنائية، بل وفق ما تشير إليه مصادر سياسية مطلعة، بدفع أو “رغبة” أميركية واضحة، تنسجم مع أولويات المرحلة الراهنة إقليمياً ودولياً.
بحسب مصادر سياسية عليمة فإن واشنطن لا تُبدي حماسة لإجراء انتخابات نيابية في موعدها الطبيعي، بل على العكس، تميل إلى دعم استقرار المؤسسات القائمة حالياً ولو شكلياً بانتظار اتضاح الصورة الإقليمية، خصوصاً في ما يتعلق بملف ترسيم الحدود البرية، وضبط إيقاع حزب الله، وتوازن القوى في البرلمان، الذي لا يزال حتى اللحظة منقسماً على نفسه.
ويبدو أن الكتل النيابية، على اختلاف انتماءاتها، تتعامل مع خيار التمديد بواقعية سياسية، وإن بصوت خافت. فرغم التصريحات العلنية التي تؤكد التمسك بالآليات الدستورية والديمقراطية، فإن الواقع يُشير إلى أن أغلب الكتل هي تفضل التمديد، خوفاً من خسارة تمثيلها أو إعادة خلط الأوراق في صناديق الاقتراع، وسط نقمة شعبية متفاقمة.
ويذهب البعض إلى القول إن التمديد هو تسوية ضمنية بين القوى الكبرى، الحفاظ على المجلس الحالي مقابل الحفاظ على توازن القوى فيه، ريثما تتضح معالم المرحلة المقبلة في المنطقة.
وكالعادة، سيُطرح التمديد هذه المرة تحت شعارات “الظروف الاستثنائية”، و”صون الاستقرار”. لكن في المقابل، يتساءل كثيرون: هل يُعقل أن تتحول الديمقراطية إلى رهينة قرارات غير منتجة، لا تعبّر عن إرادة الناخبين بل عن تسويات ومصالح خارجية؟
من وجهة نظر دستورية، فان التمديد للمجلس يُعد انتهاكاً مباشراً لمبدأ تداول السلطة، ويضع شرعية المجلس على المحك، خصوصاً أن المجلس الحالي كان قد تم انتخابه على وقع أزمات سياسية واقتصادية غير مسبوقة، وقد لا يُعبّر اليوم عن التوازنات الشعبية الفعلية، في ظل تغيّرات كبرى في المزاج العام والرأي العام اللبناني.
ويُجمع مطلعون على أن الموقف الأميركي من التمديد ليس منعزلاً عن الرؤية الأشمل لإدارة الرئيس دونالد ترامب حيال لبنان والمنطقة. فواشنطن، التي لا تُعير اهتماماً كبيراً للملف اللبناني إلا بقدر ما يمسّ أمن إسرائيل أو يربك ساحات النفوذ الإقليمي، ترى في الإبقاء على المجلس الحالي أقل الأضرار الممكنة، بانتظار حسم ملفات أكبر في المنطقة تعتبرها أولوية.
ومن هذا المنطلق، فإن “رغبة” واشنطن ليست سوى محاولة لتجميد الوضع، خشية الانزلاق إلى فراغ أكبر أو إلى برلمان جديد قد لا يخدم الأجندة الأميركية.