
يقف لبنان في هذه الآونة أمام مفترق طرق حاسم، بين فرصةٍ ضئيلة للإنقاذ وسقوطٍ أوسع في مستنقع الفساد والشلل الإداري. من هنا، يأتي النداء الصادق إلى رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون: حرّر الإدارة اللبنانية من الفساد والمفسدين، قبل أن تتحول الدولة إلى هيكلٍ خاوٍ من القيم.
منذ عقود، يعيش لبنان أزمة بنيوية في إدارة شؤونه العامة. ليست المشكلة فقط في غياب الموارد أو ضعف الإمكانات، بل في منظومةٍ متجذّرة من الفساد، تداخلت فيها المصالح الشخصية بالصفقات، والمحسوبيات بالكفاءات المغيّبة، حتى باتت الإدارات العامة أسيرة منطق الزبائنية السياسية لا منطق الخدمة العامة.
فخامة الرئيس عون، مع توليكم رئاسة الجمهورية، علقنا أملاً كثيرة بأن تتحوّل القيادة إلى فعل تطهير، وأن يبدأ مسار تحرير الإدارة من قيود الفساد كأول خطوة لاستعادة الدولة من خاطفيها، الا اننا ما زلنا نرى ونسمع عن الكثير من عمليات الفساد والرشاوى والسرقات في الكثير من مرافق الدولة، ورغم الكشف عن جوانب منها لم نر الا القليل من المرتكبين خلف القضبان.
ليس المطلوب معجزات لقطع دابر هؤلاء، بل المطلوب إرادة سياسية حازمة، وإجراءات واضحة، من تفعيل أجهزة الرقابة، إلى دعم القضاء النزيه، إلى اعتماد مبدأ المساءلة قبل المكافأة.
فخامة الرئيس، ان الشعب، الذي أنهكته الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، لا ينتظر خطابات ولا وعودًا، بل خطوات عملية تُعيد للدولة بمؤسساتها هيبتها، فتطهير الإدارة من الفساد ليس معركة تقنية فحسب، بل معركة سيادة وطنية وأخلاقية، لأن الفساد هو احتلال داخليّ ينهش جسد الدولة من الداخل، وإذا كانت الجيوش تحمي الحدود، فإن الإدارة النزيهة تحمي الوطن من الانهيار.
من دون شك أو ريب إن تحرير الإدارة هو الشرط الأول لبناء الجمهورية الجديدة التي يحلم بها اللبنانيون، جمهورية القانون، والكفاءة، والمواطنة.
ولذلك، فإن النداء إلى الرئيس العماد جوزاف عون هو نداء إلى الضمير الوطني: لا تترك الإدارة رهينة الفاسدين، بل حرّرها باسم العدالة والمصلحة العامة، ليُكتب في تاريخ لبنان أنّ عهدك كان بداية الاستعادة لا استمرار الانهيار.

